Translate

الخميس، 2 فبراير 2017

كيف نفرق بين الفائدة و الربح التشاركي؟

عبد الحليم زوبير*
تعرف البنوك التشاركية في بعض تعريفاتها بأنها “تلك البنوك أو المؤسسات التي ينص قانون إنشائها ونظامها الأساسي صراحة على الالتزام بالشريعة، وعلى عدم التعامل بالفائدة أخذًا وعطاء”. فحظر التعامل بالربا هو صلب التعامل المصرفي من منظور تشاركي، ولعل من الخطأ الشائع المقارنة بين الفائدة البنكية، والربح الذي يسعى البنك التشاركي لتحصيله، ذلك أن الفرق لا يكمن فقط في مقدار كل منهما في أي عملية مصرفية، ولكن الفرق كامن في الفلسفة التي يقوم عليها البنك التشاركي، الذي هو بخلاف البنك التقليدي شخصية اعتبارية تمتلك السلع قبل بيعها، أو إيجارها، وليس مجرد وسيط. ولكي نفهم جانبا مهما من فلسفة البنك التشاركي لا بد من توضيح مفهوم الربا، والمقاصد الشرعية وراء تحريمه:
الربا نوعان: ربا الديون. وربا البيوع. الأول: إقراض مال مع زيادة مشروطة مقابل الأجل. والثاني: تبادل بعض أصناف الطعام من جنس واحد مع الزيادة في أحدهما. وهي القمح والشعير والتمر والملح والذهب والفضة. ويكون فيها الربا إذا اتفق العوضان في الجنس مع الزيادة في أحدهما، كمبادلة كلغ من القمح بكلغ ونصف منه.
فغرض الحرمة في الأول، وهو ربا الديون: هو أن الشرع اعتبر النقود لاقيمة لها في نفسها وإنما هي وسيلة لتقاس بها السلع وتقوم بها فإذا غابت السلعة في التبادل أصبح الناس يتبادلون النقود دون السلع، فكلما اتسعت دائرة مبادلة النقود كلما تقلص رواج السلع، ومعيشة الناس قائمة على السلع لا على النقود، وكلما تقلص رواج السلع غلا ثمنها، وقد يؤدي ذلك إلى كثرة الأوراق النقدية في أيدي الناس مع قلة السلع المتبادلة، وهو ما يؤدي تلقائيا إلى هبوط قيمة العملة، ويمكن لأي منا أن يستيقظ يوما وفي جيبه نقود كثيرة، لكن لا توجد السلعة: لأكل، ولا لباس، ولا وقود.. فيتحول المجتمع إلى حافة الانهيار. وقد تضطر الدولة الى استيراد بعض السلع لترقيع الوضع لكن الانتاج الوطني لن يتقوى ما لم يتم التركيز على ترويج السلع في مقابل النقود، وكلما كانت السلع أكثر والنقود أقل كلما استقر الوضع وارتفع الغلاء لأن السلع يمكن أن تتم مبادلتها ببعضها دون مشاكل. مع العلم أن إنتاج النقود سهل جدا. ولكن الدولة في طبع النقود تراعي الكمية المناسبة للسلع الرائجة في أيدي الناس.
أما ربا البيوع فغرض التحريم فيه: أن الأموال الستة السالفة التي يجري فيها هذا النوع من الربا هي عمدة معيشة الناس. فلا ينبغي أن تترك وسيلة للابتزاز. فلو افترضنا فلاحين قاما بنفس الجهد فأصبح أحدهما واسمه زيد يملك 100 طن من القمح من نوع جيد. والآخر واسمه خالد يملك 100طن من القمح أقل جودة، فكلما احتاج خالد إلى القمح الجيد دفع إلى زيد طنين من قمحه، ليأخذ طنا واحدا من القمح الجيد. فسنجد خالدا يتجه إلى الإفلاس بنفس السرعة التي يتجه بها زيد إلى الثراء الفاحش، مع أنهما قاما بنفس الجهد لينتجا نفس السلعة. ووجه الخطورة أن خالدا سيحرم من مادة أساسية في الحياة تتعلق بالطعام بأصنافه الستة. ولو تبادلا بعض الفواكه أو الخضروات بنفس الطريقة لما وجدا حرجا شرعيا. لأن حاجة الإنسان إلى القمح -مثلا- لاتعادلها حاجته إلى الفواكه والخضروات. وهكذا تغيب الحاجة المتبادلة التي تجبر الناس على تبادل المنافع. لأن زيدا لن تكون له حاجة إلى قمح خالد. ولكن هذا الأخير يحتاج الى قمح زيد. فالشرع فرض على زيد إما أن يبادل خالدا قمحه بنفس القدر، وإما أن يطلب منه عوضا آخر غير القمح، لتبقى حاجته الى خالد قائمة كحاجة خالد إليه. أما الكسب الذي تتباعد فيه الفرص وتنتفي فيه الحاجة المتبادلة فلا يجيزه الاسلام. فالمرابي يحارب الله حسب الآية الكريمة لأنه يحاول التحكم في أرزاق الناس. وهذا بقدر ما يمنع التلاعب بالمواد الأساسية للعيش، يجعل الناس في حاجة متبادلة لبعضهم البعض، مع توسيع دائر تداول المال “لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم” (سورة الحشر الآية 7).
أما الربح التشاركي الناتج عن مبادلة مال بسلعة، فبغض النظر عن حجمه فإن من يربح اليوم معرض للخسران غدا، كما أن البيع وهو المقابل للربا حسب الآية: “وأحل الله البيع وحرم الربا” البقرة 275. فيه قضاء متبادل للحاجة، وتنازل متبادل عن مملوك لكل طرف، مع ما يتميز به الربح التشاركي من تأثر بأحوال السوق، وإمكانية المساومة بين البنك والعميل، وهذا يعزز الحاجة إلى توفر أكبر عدد من المصارف التشاركية، لجهات مختلفة، حتى تعرض المنتجات التشاركية على المواطن بأقل الأسعار الممكنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث في الدكتوراه تخصص الاجتهاد الفقهي في المستجدات المعاصرة القاضي عياض؛ مرشد ديني بمراكش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق