Translate

‏إظهار الرسائل ذات التسميات دين ودنيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دين ودنيا. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 24 أغسطس 2023

كَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا

 قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98

 وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)

 سورة  الكهف من الآية 98 إلى الآية 110

 التفسير : الطبري .

قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
يقول عزّ ذكره: فلما رأى ذو القرنين أن يأجوج ومأجوج لا يستطيعون أن يظهروا ما بنى من الردم، ولا يقدرون على نقبه، قال: هذا الذي بنيته وسويته حاجزا بين هذه الأمة، ومن دون الردم رحمة من ربي رحم بها من دون الردم من الناس، فأعانني برحمته لهم حتى بنيته وسوّيته ليكفّ بذلك غائلة هذه الأمة عنهم.
وقوله ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ) يقول: فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم. جعله دكاء، يقول: سواه بالأرض، فألزقه بها، من قولهم: ناقة دكاء: مستوية الظهر لا سنام لها. وإنما معنى الكلام: جعله مدكوكا، فقيل: دكاء. وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ) قال: لا أدري الجبلين يعني به، أو ما بينهما.
وذُكر أن ذلك يكون كذلك بعد قتل عيسى ابن مريم عليه السلام الدجال.
* ذكر الخبر بذلك: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا هشيم بن بشير، قال: أخبرنا العوّام، عن جبلة بن سحيم، عن مؤثر، وهو ابن عفارة العبدي ، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَقِيتُ لَيْلةَ الإسْرَاءِ إبْرَاهيمَ وَمُوسَى وعِيسَى فَتَذَاكرُوا أمْرَ السَّاعةِ، وَرَدُّوا الأمْرَ إلى إبْرَاهِيمَ فَقالَ إبْرَاهيمُ: لا عِلْمَ لي بِها، فَرَدُّوا الأمْرَ إلى مُوسَى، فَقالَ مُوسَى: لا عِلْمَ لي بها، فَرَدُّوا الأمْرَ إلى عِيسَى ؛ قَالَ عِيسَى: أمَّا قِيامُ السَّاعةِ لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ، وَلَكِنَّ رَبّي قَدْ عَهِدَ إليَّ بِمَا هُوَ كائِنٌ دُونَ وَقْتِها، عَهِدَ إليَّ أنَّ الدَّجَّالَ خارِجٌ، وأنَّهُ مُهْبِطِي إلَيْهِ، فَذَكَرَ أنَّ مَعَهُ قَصَبَتَيْنِ، فإذَا رآنِي أهْلَكَهُ اللَّهُ، قالَ: فَيَذُوبُ كما يذوبُ الرَّصَاصُ، حتى إنَّ الحَجَرَ والشَّجَرَ لَيَقُولُ: يا مُسْلِمُ هَذَا كافِرٌ فاقْتُلْهُ، فَيُهْلِكُهُمُ اللهُ، ويَرْجِعُ الناسُ إلى بِلادِهِمْ وأوْطانِهمْ فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ كُلِّ حَدبٍ يَنْسِلُونَ، لا يَأْتُونَ عَلى شَيْءٍ إلا أكَلُوهُ، ولا يَمُرُّونَ على ماءٍ إلا شَرِبُوهُ، فَيْرِجِعُ النَّاسُ إليَّ، فَيَشْكُونَهُمُ ، فأَدْعُو الله عليهم فيميتهم حتى تَجْوَى الأرْضُ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِمْ، فَيَنـزلُ المَطَرُ، فَيَجُرُّ أجْسادَهُم، فيُلْقِيهِمْ فِي البَحْرِ، ثُمَّ يَنْسِفُ الجِبَالَ حتى تَكُونَ الأرْضُ كالأدِيمِ، فَعَهِدَ إليَّ رَبّي أنَّ ذلكَ إذا كان كذلك، فإنَّ الساعة مِنْهُمُ كالحامِلِ المُتِمِّ الَّتِي لا يَدْرِي أهْلُها مَتى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلادِها ، لَيْلا أوْ نَهَارًا ".
حدثني عبيد بن إسماعيل، قال: ثنا المحاربيّ، عن أصبع بن زيد، عن العوّام بن حوشب، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر بن عَفازَة، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما أُسْرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. فتذاكروا أمر الساعة. فذكر نحو حديث إبراهيم الدورقي عن هشيم، وزاد فيه: قال العوّام بن حوشب: فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله تعالى، قال الله عز وجل حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالَ: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) يقول: وكان وعد ربي الذي وعد خلقه في دكّ هذا الردم، وخروج هؤلاء القوم على الناس، وعيثهم فيه، وغير ذلك من وعده حقا، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنه كائن.




الجمعة، 19 مايو 2017

الريسوني: يكتب عن أحداث الريف والإرهاب ومقررات التربية الإسلامية وعزل الأئمة ومنع النقاب

د.أحمد الريسوني – هوية بريس

قال الله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ}. هذه الآيات من سورة القلم لم أسُقْها لتفسيرها ولا للاستشهاد بها، وإنما سقتها فقط للاستظلال بظلالها، في هذه الأجواء المغربية الحارة، التي بدأ لهيبها يلفح الوجوه، سياسيا وطبيعيا

فغضبُ أهل الريف يتواصل وبتصاعد، ولم تنفع معهم لا العصا ولا الجزرة، فبدأت المناداة بالتخوين والدفع نحو الحسم العسكري… نسأل الله السلامة والعافية.

 وأنا أنصح وزير الداخلية نصيحةً عاجلة، لكنها غير مخلصة، وهي أن ينقل مهرجان موازين على جناح السرعة، من الرباط إلى مدينة الحسيمة ونواحيها، فلعل وعسى

وعلى كل حال فغضب أهل الريف في الحقيقة مجرد نموذج لما يعتمل في مختلف المدن والقرى المغربية الأخرى. فالأسباب واحدة، والمشاعر واحدة، والمطالب واحدة، وإنْ تفاوتت التعبيرات واختلفت المواقيت.

ومؤخرا مرت بنا الذكرى 14 للعمل الإجرامي الإرهابي ليوم 16 ماي، فأعادت إلى أذهاننا تلك الحملات العشوائية التي حصدت الأخضر واليابس، وزجت بالآلاف في السجون، وأكثرهم من الأبرياء الغافلين. وما زال كثير منهم ومن أُسَرهم يتجرعون مرارة الظلم والتعسف.

وفي تلك الأيام الحالكة من صيف 2003 كان قد كثر الحديث عمن يقفون وراء جريمة 16 ماي، وها هي الدولة بكل إمكاناتها وأجهزتها -إلى اليوم- لم تكشف ولم توضح لنا ولا للتاريخ من كان وراء تلك “الجريمة المنظمة”، ومن كان وراء أولئك الشباب المغرر بهم؟!

وأما “قوانين جورج بوش” التي اعتمدت بالمغرب آنذاك، على عجل وتحت الضغط، فما زالت سارية المفعول بأسوأ تأويلاتها وأقسى تطبيقاتها، وبسياطها يُعتقل اليوم ويحاكم ويجلد شباب مغاربة مسالمون، علَّقوا بجملة أو جملتين على واقعة بعيدة عنا، بيننا وبينها آلاف الكيلومترات، ولم يكن لذلك التعليق من قصد سوى إدانة الإرهاب الأكبر الذي يتعرض له الشعب السوري الشقيق جهارا نهارا.

وفي خطوة تعسفية استفزازية أخرى، قامت وزارة التعليم ومَن وراءَها بتنحية عدد كبير من الأطر التربوية وغير التربوية من مناصبهم التي تولوها بكل جدارة واستحقاق، لا لشيء إلا لكونهم ربما ينتمون، أو كانوا ينتمون، إلى جماعة العدل والإحسان.

وعلى هذا المنوال وهذا النهج حاولت وزارة الداخلية أن تجر المجتمع المغربي إلى معركة غريبة مفتعلة خاوية، اسمها “منع النقاب”…!

وتتواصل سياسة الإهانة واستفزاز المواطنين من لدن وزارة الأوقاف، وذلك بالعزل المتواصل للخطباء بدون شرع ولا قانون، ولا تفسير ولا تبرير، {فمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}؟

وأما وزير الداخلية المكلف بوزارة التعليم، فلم يكد يفهم حرفا واحدا من ملف التربية والتعليم، حتى أعلن -في أول قرار شجاع له- عزمه على تغيير مقررات التربية الإسلامية، ووصَفَها بالعنف ضد الفلسفة، مع أن هذه المادة بالذات لم يجفَّ بعدُ مداد كتابتها. وقد خضعت للتفتيش الدقيق والمراجعة الشاملة بأوامر وتوجيهات ملكية. لكن الوزير المتخصص في مادة العنف لم يراع لا واجب التحفظ، ولا واجب التريث، ولا واجب الحياد، ولا الجهل وعدم الاختصاص.

فهل أراد وزير العنف أن يثبت جدارته بالتسلط على التربية والتعليم، ويُظهر أنه قادر على أن “يربي” التربية الإسلامية وأهلها؟

مؤخرا حاولت وزارة الداخلية الاستعانة بالأحزاب “الحاكمة” في دعم معالجتها لما تشهده منطقة الريف من احتقان وتوتر، فلم تجد شيئا يعول عليه. والسبب معروف؛ وهو سياسة الدولة في إضعاف الأحزاب الحقيقية وترويضها، مقابل خلق أحزاب سلطوية والنفخ فيها. وبهذا لا تبقى أحزاب ذاتُ مصداقية، ولا منتخبون ذوو مصداقية.

وهذه السياسة هي نفسها السياسة المتبعة مع العلماء والخطباء، حيث يتم القضاء على مكانتهم ومصداقيتهم، فإذا دعوا يوما إلى محاربة التطرف والإرهاب والانحراف، أو معالجة مشكل ما في المجتمع، لم يكن لهم قبول ولا تأثير.

لا شك أن الشعب بكل أبنائه يتطلع إلى سياسات إصلاحية تصالحية حقيقية، ليس فيها إقصاء ولا استثناء، وليس فيها التواء ولا التفاف، ولا كر وفر. وأما الأساليب السلطوية التحكمية المعهودة، فقد تآكلت صلاحيتها وتلاشى مفعولها، ولا يصح إلا الصحيح.


   

الخميس، 18 مايو 2017

التغيير القسري لهوية المجتمع المغربي.. من أين وإلى أين؟؟

إبراهيم الطالب-هوية بريس

الصراع بين الإديولوجيات شيء طبيعي؛ ويدخل ضمن صراع الحق مع الباطل؛ كان منذ خلق الله البشر ولن يتوقف؛ تتغير ملامح الحياة من قرن إلى قرن، لكن يبقى الصراع الآيديولوجي مهيمنا على حياة البشر.
فهو حقيقة اجتماعية تذكيها السياسة والاقتصاد وتتحكم في تحديد اتجاهها السلطة أو العسكر.
ولا زالت أهم الشبكات المؤثرة في المجتمعات كيفما كانت هي الشبكات الإيديولوجية والاقتصاد والسياسة والعسكر /أو السلطة؛ ومحل دراستها ورصد تفاعلاتها وأساليب اشتغالها وتداخلها أو تنافرها يندرج ضمن دراسات علم الاجتماع.
وما يهمنا في هذه العجالة هو رصد التغيير القسري لهوية المجتمع المغربي مع استكناه من أين جاء هذا التغيير وإلى أين يتجه.
فالمغرب منذ كان دولة يحكمه الإسلام وشريعته؛ كان سكان المغرب وثنيين، لم يعرفوا صلة برب السماوات والأرض حتى دخل الإسلام، فآمن الناس وتطور المجتمع رويدا رويدا نحو التمسك بالدِّين الإسلامي، وتعاقبت على حكمه الدول كلها يتبنى الإسلام؛ تغلغلت عقيدة الإسلام وشريعته حتى شكلت مفهوما موحدا صارما وشاملا للكون والحياة والآخر؛ هذا المفهوم تأسس على نظرية الخلق؛ فأصبح الجميع يؤمن بأن للكون خالقا وللإنسان ربا وللحياة قوانين شرعية مستمدة من رسالة رب الكون والإنسان واجبة الاحترام والتطبيق؛ فكانت الدول في المغرب تحرص على احترام هذا المفهوم للكون والإنسان والحياة.
تعاقبت الدول وتوالت انهار بعضها وقام بعضها الآخر؛ لكنها جميعها تتوارث الإسلام وتعمل على التحاكم إلى شريعته، يكبر الطفل ويترعرع على القرآن والدين يعرف اللغة والمفهوم والمصطلح والأدب والأخلاق؛ ممتزجة بالدِّين وعلومه وثقافته.
استمر الوضع هكذا في مغرب الحضارة الإسلامية على طول تاريخ الإسلام فيه، إلى أن انهارت هذه الحضارة بعد قيادتها للعالم قرونا مديدة ؛ كان خلالها الإنسان الأروبي، الإنجليزي أو الفرنسي أو الإسباني؛ يتكلف نطق كلمات باللغة العربية حتى يظهر متمدنا، فقد كانت هي لغة الأدب والعلم.
ثم تقهقرت الحضارة كما هي السنن الكونية والشرعية؛ بفعل ضمور الدين والعقل لدى الوجود الجمعي للشعوب الإسلامية؛ ولعل المغرب كان من أواخر الشعوب سقوطا في حضن الإمبريالية الغربية، حيث لم تدخله الجيوش العلمانية العسكرية الفرنسية إلا سنة 1907 عند احتلال وجدة والشاوية؛ حيث استهلت أولى جرائمها بتدمير الدار البيضاء وقتل الأهالي بالقنابل والبارود.
توالت المعارك لم تخضع القبائل المغربية إلا في أواسط الثلاثينيات؛ ومن 1907 إلى 1936 عمل ليوطي ومن بعده على اختراق كل البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ قاوم العلماء والدعاة ورؤساء القبائل حيث أدرك أن الدين الإسلامي هو المحرك الأساس لكل مقاومة على أرض الواقع الأمر الذي جعله ليوطي يصل إلى خلاصة ضمنها كلمته المشهورة والتي ذكرناها أكثر من مرة: “لا أخاف على وضعيتنا إلا من أصحاب هذه الجلابيب والبرانس الذين يترددون على القرويين ليتحلق الطلبة حولهم، فيبثون فيهم من روحهم الإسلامية المتعصبة، قبل أن يلقنوهم دروسا في الشريعة الإسلامية” (قدور الورطاسي؛ ذكريات في الدراسة بفاس ص:50).
إذًا فهم الاحتلال العلماني الفرنسي الدرس جيدا، فحاول أن يبدأ رحلته في تنزيل أكبر عملية تغيير قسري للمجتمع المغربي يُحَوِّل بموجبها التصور الجمعي لدى المغاربة للكون والحياة والإنسان؛ المستمد من القرآن والسنة؛ إلى تصور علماني مبني على ما أحدثته العلمانية في أوربا من تغيير جذري في مجتمعاتها.
فبدأ بتهميش العلماء وحربهم والتضييق على وظائفهم التي كانت تغطي كل مناحي الحياة العامة فلقد كانوا هم المعلمين والفقهاء والقضاة والوزراء والشعراء والمثقفين والعدول الذين يوثقون العقود التجارية ومواثيق الزواج وعقود الإرث والهبات والوصايا؛ ولمكانتهم هذه تولوا مهمة الدفاع عن الدين ومقاومة الكافرين المعتدين وبث روح الجهاد في النشء والمسلمين؛ يقول “أدينو” في كتابه “محور السياستين”: “الفقهاء متعصبون شديدو بغضهم للأجانب، والفقيه هو أستاذ المكتب، يطوف مأجورا بالقرى، فيعلم الصبيان بعض السور من القرآن على شريطة أن يؤجر بثمن وفق مراده، وهذه الأجرة بسيطة، فيدخل بالخيمة الصغيرة التي بوسط الحي وهي المكتب والمسجد الذي لا يُهجم عليه، ولا يُحرق وقت السلب والنهب، يَجمع الصبيان بمكتب مظلم، وبعد غلق المكتب يقوم بكتابة رسائل القائد وأهل القرية عموما، والفقيه مشهور في القبيلة بمعرفته في كل شيء، مقبولة آراؤه دون أن يبحث فيها أو يناظر، غالبا ما يذهب لقضاء سنين من عمره بزاوية في الجبل بالريف أو الأطلس، وهناك بعيدا يتلقى دروس القرآن من أساتذة أشداء يأمرون بالجهاد ويحضون على بغض الكفار.
منافقون، خداعون، زنديقيون، محتالون، وذوو خطر. ما هم أولئك الفقهاء؟” (ص:61 أدينو).
استحكم العداء في العقل الإمبريالي، واستيقن زعماء الاحتلال العلماني الفرنسي ألا وجود لهم في المغرب إلا إذا استطاعوا أن يقضوا على العلماء والفقهاء فقرروا خوض الحرب ضد العلماء والفقهاء مع الحرص كل الحرص على ألا يتعرضوا للإسلام والقرآن حتى لا يستثيروا عامة المغاربة، وبعد دراسات وضعوا خطة لمغرب الغد كما يرونه؛ يقول “بول مارتي” في كتابه “مغرب الغد” (ص:241): “كل تدخل من قبل الفقيه وكل ظاهرة إسلامية يجب منعها بصرامة تامة”.
بدأت الحرب في كل الاتجاهات وعمل العلمانيون الفرنسيون أولا على حرب منظومة القضاء الإسلامي ثم الكتاتيب والمدارس ثم اشتدت الحرب الضروس على كل القبائل التي كان المجاهدون فيها تبعا للعلماء.
لكن لم يكتف الاحتلال العلماني الفرنسي بحرب العلماء والدعاة والفقهاء، وإسقاط العمل بالشريعة الإسلامية والفقه المالكي، بل أرسى نظاما كاملا على أنقاض النظم التي كانت الدولة تسوس بها المغاربة؛ فسن القوانين الوضعية العلمانية وأنشأ المحاكم التي عَوّض بقضاتها قضاةَ المسلمين وفرض رويدا رويدا على المغاربة التحاكم إليها.
بنى المدارس لتربية جيل يحكم المغرب المعلمن الملحق بالحضارة الغربية؛ وعلمهم كل شيء سوى الاعتزاز بالدِّين والامتثال لشريعة الإسلام؛ سمح بالصحافة والنقابة والأحزاب لكن عمل بالمقابل على أن يهيكل بها مغرب الغد كما يراه؛ كان يحكم بالإعدام والحبس والنفي في حق كل من لا يؤمن بمغربه؛ وكل من يريد الرجوع إلى الإسلام وينبذ الهيمنة الفرنسية على الثقافة والسياسة والاقتصاد.
فتكونت نخبة كبيرة مقطوعة عن تاريخها وماضيها وحضارتها؛ ستلعب دورا حاسما في سياسات مغرب الغد.
إلى هنا أجبنا عن سؤال: “من أين؟؟” المضمن في عنوان المقالة؛ وبقي علينا جواب سؤال: إلى أين؟؟
جاء الاستقلال وبدأت آثار التطوير القسري للمجتمع المغربي الذي بدأه  الاحتلال العلماني الفرنسي تظهر بجلاء؛ وذلك في شكل صراعات على السلطة وإدارتها بين من كانوا بالأمس روادا للمقاومة والتحرير؛ فأنشِئت المعتقلات وارتكبت المجازر بينهم؛ فأصبحت المقابر الجماعية والفردية تؤثث تراب المملكة الشريفة.
توالت الصراعات وانقسم ما كان يظهر مجتمعا؛ وبدل القطع مع المحتل وبناء الذات وفق مقومات الهوية والإسلام؛ ظهر الصراع الإديولوجي في أعلى درجات احترابه: اشتراكية،  شيوعية، برجوازية، رجعية، طليعة شغيلة، طغمة؛ إخوان، رفاق، ملك، شعب، زعيم، مناضل، نقابة، حزب، حركة، شبيبة…كلها مفاهيمُ ومؤسسات ومناصب وحمولة إديولوجية، كانت عناوين على حراك إديولوجي وسلطوي وثقافي واقتصادي؛ حراك كان هو الحياة في مغرب الفوضى اللامتناهية، مغرب الرصاص والنضال، ومغرب الفقر والاستبداد ومغرب الدين وإمارة المؤمنين، ومغرب الشيخات والراقصات والدعارة، ومغرب العلماء والدروس الحسنية.
 لكن اللاعب الأخطر والأقوى كان هو النواة الصلبة للنظام الملكي الذي أحسن اللعب على التوازنات بين فريق اشتط بعيدا فأصبح يقسم المغرب إلى بورجوازية وبروليتاريا؛ ورأى في العلماء والدين خداما لسلطة النظام ومسوغا للديكتاتورية؛ يطالب بمغرب لا يكون فيه دين ولا قصر.
وفريقٍ حاول أن يمشي عَلى استحياء نحو إعادة بناء الدولة وفق الممكن مع عدم ترك السلطة للقصر وحده.
لكن هذا الأخير حتى يبقى اللاعب الأساس صنع أحزابا إدارية وظيفية تستنزف أصوات القلة المشاركة في العملية السياسية؛ وتربك الحياة في كل مناحيها؛ تقوّت تلك الأحزاب وامتدت لأن القياد والبشوات كانوا أكبر رجالاتها؛ كانوا يصنعون رأيا عاما بالقوة والتهديد والسلطة في البوادي والقرى بعد تقطيع للخريطة السياسية تقطع شريان الأحزاب “المناضلة” وتزوير لنتائج الصناديق عندما تأتي بغير المقبول عند أصحاب “الحال”.
بين الفريقين فريق ثالث نشأ بعد اليأس من كل الفاعلين السياسيين بحث عن مقومات هويته أنشأ كياناته ومؤسساته فتبلور شيئا فشيئا حتى تمظهر في شكل تيارات تدعو إلى الرجوع إلى الإسلام.
تطور العالم وانتهت صراعات الرأسمالية والاشتراكية، فخرج الإسلام بعد عقود من الزمن ليقول للعالم لا زلت حيّا وأريد أن أرجع إلى مكاني ومنصبي وداري وأهلي؛ رفض  العلمانيون ذلك، واتحدت اشتراكيتهم مع رأسماليتهم في الحرب على أسلمة المغرب، وقرروا التصدي  لهذا الناهض من ركام السنين، من بين رفات الملايين من العلماء الذين قضوا على الجبال وفي الوديان دفاع عن الدين والإسلام.
أعلنت الرأسمالية الإمبريالية حربها على الإرهاب، وبنفس المنهج الذي سلكته في هدم الإسلام خلال الاحتلال؛ فهي تعلن احترامها لدين الإسلام، لكن تحارب الدعاة والعلماء والمشايخ والفقهاء.
 من جوانتنامو إلى الفلوجة ومن الصومال إلى قندهار؛ العنوان محاربة الإرهاب؛ والموضوع محاربة كل مظاهر الإسلام؛ كل يومٍ عنوان: الإرث، صحيح البخاري، التعدد، النقاب، إقامة الشريعة، الإسلام السياسي، الوهابية، السلفية، الإخوان
الفرق بين ما قبل الاحتلال واليوم هي أن الإسلام كان يحارب من العلمانيين الفرنسيين والإنجليز والإسبان أمثال ليوطي وكليبر وأدينو وبول مارتي؛ واليوم يحارب من
طرف العلمانيين المغاربة والجزائريين والتونسيين والمصريين أمثال العفيف الأخضر وأركون وَعَبد المجيد الشرفي؛ والمشترك الجامع بين هؤلاء وأولئك هو الحرب على الإسلام شريعة وحضارة وتاريخا، والانتصار للعلمانية والثقافة الغربية.
أما الموضوعات فتتلخص في محاربة التطرّف بإعادة النظر في التراث وتطويعه ليتلاءم مع الحضارة الكونية، من خلال تغيير مقررات التعليم والتضييق على التيارات الإسلامية التي تنشر التطرّف في نظرهم وإقصاء الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.
حتى البنوك لا يقبلون تسميتها بالإسلامية ويسمونها تشاركية حتى لا تحسب للتيارات أو الأحزاب الإسلامية.
إنتا في الحقيقة أما عملية كبرى للتغيير القسري لهوية المجتمع.
لماذا؟؟
الجواب: لكي نتلاءم مع الحضارة الكونية.
من جهازوماهي الحضارة الكونية؟؟
ليست العلم ولا التكنولوجيا ولا أي شيء آخر سوى ما بدأه ليوطي وفرضه الاحتلال في إكس ليبان وما تلاها من مفاوضات من خلال وضع شرط للاستقلال هو: حماية المصالح الفرنسية في المغرب.
تطورت هذه المصالح لتصبح مصالح الدول الغربية في المغرب؛ والتي يرى أصحابها أنها مهددة إذا عاد الإسلام كما كان دينا ودولة، علما وثقافة، سياسة واقتصادا.
إذًا هذا التغيير القسري للهوية وتحويل اتجاه التطور الاجتماعي من التمسك بالدِّين الإسلامي إلى التسيب العلماني هو لحماية المصالح الغربية الرأسمالية، وليس لمحاربة التطرّف أو بحثا عن الاعتدال والتوسط.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.




الأربعاء، 10 مايو 2017

هدم ضوابط الفهم ...هدم للشريعة

بقلم : أحمد اللويزة نقلا عن موقع هوية بريس 
ضمن خطة هدم الشريعة الإسلامية عند أعدائها هدم ضوابط وأصول استنباط الإحكام التي وضعها العلماء، والتي تعد بمثابة سياج يحيط الشريعة الإسلامية يقيها جهومات المتأولين والمتعسفين والمتنطعين. وهذا ما يفهمه أصحاب القراءة الجديدة لنصوص الشريعة فأسسوا لمشروعهم بإسقاط هذه الضوابط والتقليل من شأنها وربطها بفهومات لعلماء في سياق وزمن مختلف عن سياقهم وزمانهم.
هذه الضوابط هي التي كانت أصلا في فهم الصحابة لنصوص الوحي كانوا يمارسونها سليقة فاستشفها العلماء من صنيعهم بالتتبع والاستقراء والنظر والتأمل فهي بمثابة السند المتصل.
وفي هذا الشأن أورد نقولا عن العلماء تبين أهمية الضوابط الموضوعة لفهم النصوص الشرعية فهما سليما بعيدا عن تحكم الهوى والعقول الزائغة.
يقول ابن خلدون مبينا كيف دونت الضوابط: (واعلم) أنّ هذا الفنّ من الفنون المستحدثة في الملّة، وكان السّلف في غنية عنه بما أنّ استفادة المعاني من الألفاظ لا يحتاجون إلى النّظر فيها لقرب العصر وممارسة النّقلة وخبرتهم بهم. فلمّا انقرض السّلف وذهب الصّدر الأوّل وانقلبت العلوم كلّها صناعة كما قرّرناه من قبل، احتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلّة فكتبوها فنا قائما برأسه سمّوه أصول الفقه.
ويقول ابن القيم: أن يفهم عن الرسول مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه مالا يحتمله ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده وسوء القصد من التابع فيا محنة الدين وأهله والله المستعان، وهل أوقع القدرية والمرجئة والخوارج والمعتزلة والجهمية والرافضة وسائر الطوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله حتى صار الدين بأيدي أكثر الناس هو موجب هذه الأفهام، والذي فهمه الصحابة ومن تبعهم عن الله ورسوله فمهجور لا يلتفت إليه ولا يرفع هؤلاء به رأسا.
يقول الشاطبي: كما أن اعتبار النصوص من غير اعتماد على الفهم الوارد عن السلف فهي مؤدية إلى التعارض والاختلاف وهو مشاهد معنى، ولأن تعارض الظواهر كثير مع القطع بأن الشريعة لا اختلاف فيها، ولذلك لا تجد فرقة من فرق الضلالة ولا أحدا من المختلفين في الأحكام الفرعية ولا الأصولية يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من.
ويقول الشيخ أبو هرة مبينا أهمية الضوابط ومكانتها بالنسبة للفقيه: وفي الجملة هذه القواعد الموضوعة للاستنباط لو اتبعها الفقيه لسلم من الخطأ في الاستنباط، ولتعرف بها مقاصد الشريعة الإسلامية من النصوص التي تعتبر الأصل الأول لها.
فصواب الفهم أمر لابد منه، والالتزام بضوابط الفهم التي هي أساس الفهم الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الذي نبغي الحرص عليه من كل مشتغل بفهم السنة، وذاك الذي حرص عليه السلف من التابعين وتابعيهم، يقول ابن القيم: صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى.
 -تاريخ ابن خلدون (1/ 575-576)
-الروح (ص: 62-63)
الموافقات ( 3/288)

-إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 69)

الأربعاء، 12 أبريل 2017

مسؤولية الدولة في حماية الدين والأخلاق ومشروع “محاربة أسلمة المجتمع”



هوية بريس – إبراهيم الطالب
لا شك أن الدين والأخلاق يشكلان جزء هاما في تحديد قناعات الأفراد والجماعات، ويعتبران من أهم عوامل الاتفاق أو الاختلاف بين مكونات المجتمع؛ وما نشهده في مجتمعات مثل العراق ولبنان وميانمار وسوريا من حروب وتقاتل وتناحر له ارتباط وثيق بالدِّين والمعتقد وما يتفرع عنهما من النظم الأخلاقية والعادات الاجتماعية المؤسسة للقناعات والمحددة للولاءات، وإن كانت السياسة والمصالح المادية لمختلف الفاعلين مؤثرة بقسط لا بأس به في احتدام الصراعات وتحريك الخلافات.
والمغرب -والحمد لله- بلد متجانس من الناحية الأخلاقية والعقدية والدينية؛ فهو مسلم سني مع وجود جماعة لليهود وأفراد من المتحولين النصارى، من العيب الفكري والمنهجي أن نعدهم أقلية؛ لكن هذا التجانس والاندماج، وهذه الوحدة العقدية والدينية لا يفتأ البعض يلعب بها قصد تحصيل مصالح مادية وسياسية ستعود حتما بالوبال على الجميع.
الإشكال حسب الاستقراء لأهم الماجريات، التي طغت على الساحات الفنية والثقافية والسياسية والإعلامية، يكمن في محاولة خلق تقاطب مفتعل داخل المجتمع المغربي؛ بحيث يصور للمتابع غير الحصيف وغير المدقق أن المجتمع المغربي منقسم إلى فسيفساء ثقافية وفكرية وعقدية؛ منشطر إلى قطبين علماني وإسلامي؛ ومتفرق بين عقائد متصارعة إسلام ويهودية ونصرانية، ومتصارع بين طائفية سنية وشيعية؛ وهذا من حيث الواقع لا وجود له؛ بل حتى نكون أكثر دقة هو في طور الإيجاد بحيث يعمل العابثون بوحدتنا العقدية والسلوكية والفكرية على دعم كل محاولة لإيجاد هذه الكيانات وتقويتها إعلاميا وفكريا وتضخيمها لدى المواطن المغربي.
ولعل أبرز ملامح عملية الإيجاد هذه تتمثل من خلال تسخير المال العام لإنتاج مواد إعلامية من قبيل ما يعده أمثال نبيل عيوش المحملة برسالة إيديولوجية فكرية مناقضة لمعتقدات المغاربة وأخلاقهم.
وما يهمنا في كلمتنا هذه هو التنبيه إلى خطورة العبث بالمعتقدات والقيم والأخلاق لدى المغاربة؛ ودور المؤسسات الرسمية في دعم العابثين، وتقصيرها في حماية الدين والأخلاق الإسلامية المغربية؛ فما تابعناه في 15 سنة الماضية؛ يبعث على القلق والتخوف خصوصا عندما نستيقن أن العابثين بالدِّين والقيم والأخلاق يقومون بذلك من خلال مؤسسات عمومية رسمية وبالمال العام الذي يدفعه المغاربة المسلمون.
فعندما تقوم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بشراء عشرات المسلسلات التي يبلغ عدد حلقات أغلبها عدد أيام السنة؛ وتدبلجها باللهجة المغربية لتوصل ما تتضمنه من قناعات وأفكار إلى شرائح واسعة من المغاربة، قصد التمكين لثقافة الزنا والدعارة وممارسة الرذيلة والخيانة الزوجية وتعاطي الخمور والسجائر والعري المتهتك؛ وغيرها من الانحرافات العقدية مثل دعاء الصليب والاعتقاد في ألوهية رسول الله عيسى عليه السلام، وكذا مختلف المعتقدات النصرانية المخالفة بل المناقضة لعقيدة المغاربة الإسلامية الحنيفية؛ فعندما تقوم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بشرائها من أموال الشعب وبثها في بيوت أسره تكون بذلك تحارب الإسلام في مغرب الإسلام؛ وتنتهك أمن أسره العقدي والديني.
أضف إلى ذلك البرامج التي تنتجها القناة الثانية 2M، والتي تحاول من خلالها نشر التوجه العلماني الشهواني؛ والتسويق له على أساس أنه هو الواقع المغربي؛ مظهرة أن النفاق الاجتماعي هو فقط العامل الأساس في التضييق على الحرية الجنسية والشذوذ؛ في محاولات متعددة طيلة سنوات مديدة لتفتيت منظومة القيم الإسلامية لدى المغاربة وتثبيت عبث اللاقيم المتحلل من تعاليم الإسلام ونظمه الأخلاقية التي حكمت السلوك العام في مجتمع مغربي يشهد أشرس الحروب من أجل إخضاعه بمنظومة قيمية عبثية لا تحفل بالدِّين وتُهمّش أهله.
فمؤسسة عمومي مثل الشركة المذكورة المفترض فيها والواجب عليها أن ترعى دين المغاربة وتعمل على ترسيخ قيمه وأخلاقه من خلال ما تبثه وتنشره بين أبنائنا؛ فما الذي يمنعها من القيام بهذا الدور الأساسي؟؟
بل ما الذي يجعلها تحارب ما هو أخلاقي تربوي إسلامي؟؟
إن عملية إخضاع المجتمع المغربي “للقيم” العلمانية والمفاهيم اللادينية تندرج ضمن ما أطلقته جهات سياسية منذ سنوات وأسمته: محاربة أسلمة المجتمع المغربي وميزت في مشروعها بين المواطنين المغاربة وقسّمتهم إلى:
-مغاربة مسلمين.
-ومغاربة إسلاميين.
وجعلت المغاربة الإسلاميين هم من يدعو إلى الرجوع إلى العمل بشريعة الإسلام وتفعيل تعاليمه وقيمه في المقررات التعليمية والبرامج الإعلامية؛ ويطالب الدولة بحماية الملة والدين والاستجابة الفعلية لمقتضيات إسلامية الدولة المنصوص عليها في الدستور.
في حين جعلت قسم المسلمين يتضمن كل مغربي يعتبر الإسلام والدين أمرًا شخصيا، لا ينبغي للدولة التدخل فيه؛ ويرى من حق الشواذ واللادينيين والملحدين والمنصرين أن يدعو لمعتقداتهم وما يدافعون عنه.
ولا شك أن هذا التصنيف الغرض الأساسي منه إظهار الدعاة والعلماء والوعاظ والفاعلين الإسلاميين وكل التيارات الإسلامية بمظهر المتطرف النشاز عن المجتمع المغربي؛ في حين أن الحقيقة على أرض الواقع تفيد أن المغاربة كلهم إسلاميين حسب تصنيف أصحاب مشروع محاربة أسلمة المجتمع المغربي؛ والذي يعني من حيث المآل محاربة أي محاولة للرجوع إلى مقتضيات الإسلام ومقومات الهوية المغربية التي من أجَلّ وأهم عناصرها الدين الإسلامي شريعة وعقيدة وسلوكا.
إن مشروع محاربة أسلمة المجتمع المغربي يتم تنزيله عبر واجهات متعددة؛ ومن خلال مؤسسات رسمية وأخرى غير رسمية لكنها مدعومة من جهات رسمية وسنحاول إجمالها في الواجهات التالي:
-1- الواجهة السياسية:
وتتمثل في محاربة الإسلاميين في الحكومة، والحيلولة دون نجاح تجربتهم وإضعاف وجودهم السياسي من خلال ما عشناه في هذه السنة بالخصوص؛ كما نلحظ في هذه الواجهة السياسية قيام أحزاب بالمشاركة المباشرة في مشروع محاربة أسلمة المجتمع المغربي وتنزيله؛ مثل حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاتحاد الاشتراكي.
-2- الواجهة الحقوقية:
وتتمثل في الجمعيات والمنظمات الحقوقية التي تنشر بوعي أو دون وعي ثقافة حقوقية مناقضة للإسلام ومناهضة لمعتقداته ومنظومته الأخلاقية والسلوكية؛ بحيث نراها تدافع عن الشذوذ الجنسي وممارسة الزنا معتبرة أن ذلك يندرج ضمن الحرية الجنسية وتطالب بتعديل القوانين المجرمة لهذه السلوكيات؛ كما تستميت في الدفاع عن المجرمين في مثل هذه القضايا التي تثير الرأي العام؛ معتبرة ذلك اضطهادا للحريات الفردية، زِد على ذلك الدفاع عن حرية الاعتقاد مهما كان هذا الاعتقاد مناقضا لعقائد المسلمين، وتدعو الدولة إلى احترام حقهم في نشر ما يعتبر في الفقه والمعتقد الإسلامي كفرا وفسوق وضلالا، لا زالت القوانين المغربية تعاقب على ارتكاب بعضه..
-3- الواجهة العلمية الدعوية:
وتكمن في التحكم في المؤسسات العلمية والدعوية وتحييدها عن الصراع المفتعل بين الإسلام والعلمانية في المغرب؛ وتوظيفها في محاربة الأسلمة المجتمعية من خلال تركيز عملها ومشاريعها في مواجهة الإرهاب والتطرف الذي يرتكبه بعض الجهال في الداخل والخارج؛ في حين تغض الطرف عن التطرف العلماني وهجماته على معتقدات المغاربة، ونشر العلمانيين للمقالات ومواد إعلامية تطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وتشكك في دواوين السنة الشريفة، ومنعها من الرد والمواجهة لعمليات الإفساد المتعددة في الواجهات المختلفة المذكورة.
ويندرج في هذه الواجهة العزل الممنهج للخطباء والوعاظ من طرف وزارة الأوقاف، خصوصا في حق من ينتمون للتيارات الإسلامية؛ أو من يظهر موقفا صريحا مخالفا للتيارات العلمانية ومؤسساتها.
-4- الواجهة الإعلامية والفنية:
وتتلخص في الهجمات الشرسة التي تقودها صحافة التشهير والكذب وتزوير الحقائق؛ والتي تستهدف في الظاهر الإسلاميين وتغلِّف هجوماتها بمحاربة التطرّف في حين تقوم بحرب صريحة على الإسلام شريعة وسلوكا وعقيدة؛ مع مبالغة مفضوحة في دعم الشواذ والمرتدين وآخرها ما بدأت تنشره إحدى الجرائد الإلكترونية من مقالات للمرتد رشيد المغربي.
كما يندرج تحت هذه الواجهة ما ذكرناه من عمليات الإفساد الممنهج الذي تسخَّر له القنوات التلفزية الرسمية، وما تنشره من مسلسلات وبرامج تفتت منظومة القيم الإسلامية السلوكية والعقدية.
-5- الواجهة الجمعوية والتنظيمية:
وتتمثل محاربة الأسلمة على مستوى هذه الواجهة في التضييقات السافرة التي تتعرض لها الحركات الإسلامية والجمعيات التابعة لها؛ والتضييق عليها بمنع الأنشطة أو إغلاق مقرات الجمعيات وتوقيف الخطباء والوعاظ المنتمين إليها؛ وذلك قصد الحيلولة دون استنهاض همم المواطنين إلى المزيد من التشبث بالإسلام ونشره والدعوة إلى امتثال شريعته بين مختلف شرائح المجتمع المغربي.
إن الدور الأساسي المنوط بالدولة ومختلف مؤسساتها لا يتمثل فقط في حماية الدين والإسلام من الهجومات الداخلية والخارجية؛ بل يتمثل بالأساس في القيام بنشره والدعوة إليه ليس بالشكل المهلهل الذي نشاهده؛ بل الواجب أن نلمس دورا حقيقيا للدولة من خلال رفعها من قيمة إقامة التوحيد بمحاربتها للمخالفات الشركية التي تحفل بها الموالد والمواسم البدعية وما يمارس في الأضرحة والزوايا من مخالفات عقدية وسلوكية، وكذلك الإعلاء من شأن الصلاة بحيث يتجلى ذلك من خلال برامج ومشاريع حكومية ترمي إلى تحسيس المسلمين بهذا الركن الأساسي من أركان الإسلام؛ زِد على ذلك واجب قيام الدولة بمحاربة الشعوذة والسحر الذي أصبحت كل أحياء المغاربة تعرف دُورا مخصصة لهما فاقت في عددها عدد المصحات والمدارس.
إن وظيفة حماية الملة والدين هي وظيفة المؤسسات بالدرجة الأولى، وهي أجدر ما تنفق فيه الأموال العامة لأنها مرتبطة ارتباطا مباشرا بالأمن العام في الدنيا والآخرة.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم