Translate

‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتاب الرأي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتاب الرأي. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 14 أغسطس 2023

صديقي الشهيد أبو حنصل، قصة من وحي الواقع

 



في ذكرى صديقي الشهيد  أبو حنصل :


كان صديقي أبو حنصل قبل إستشهاده رحمه الله و تقبل منه ، يحكي لي عن معاناته النفسية مع الفقر و الحرمان، لكن رغبته  و إرادته القوية في أن يصنع من نفسه شخصا مهما يخدم العدالة و الإنسانية والحق، من خلال منهجه في الدعوة الى الاسلام، و نشر  مبادئ الاحسان الى الناس رغم اختلاف ملتهم و طوائفهم . 
كان قلبه طيبا وشجاعا لا يخشى في الله لومة لائم ، و لا يكره أحدا ، إلا الظالمين و المتكبرين و مصاصي دماء الفقراء .
أتذكر أننا في ليلة من الليالي ونحن عاكفون في أحد الإعتصامات الإحتجاجية ضد الفساد و الإستبداد السياسي،  منذ عشرين سنة في الرباط، وكنا لا نزال ندرس في الجامعة ، بعد إنتهاءنا من ذلك الحدث النضالي، جلسنا فوق حائط قصر الودايا يطل على البحر، نحكي عن أحلامنا و نتساءل عن هذا القرن الجديد الذي نحن بصدد الدخول إليه ذلك العام ، على الرغم من النكبات التي ستأتي و توالي  الإنكسارات و الهزائم التي تلاحق شعوبنا في مواجهة خصوم الإنسانية، إضافة إلى الغموض الذي يواجهه مستقبلنا الذي نحلم به  كشباب ينشد التغيير و يملك أحلاما مثالية بريئة سرعان ما تنكسر أمام واقع قاسي، وغير مستقر في مغرب الفوارق و الفساد والظلم.
قال لي أبو حنصل المسكين:  و هو يحكي عن زيارته الأخيرة لبلدته البعيدة في عمق جبال الأطلس الصامدة ، أتدري يا أحمد أنا حزين على نفسي و أنا أتذكر ذلك اليوم الذي إستقبلني فيه والدايا، و لأول مرة  نظرت الى وجهيهما بكل تمعن، و هما نائمين القيلولة في الفناء، و تأملت سحناتهما جيدا.
وأضاف و هو يبكي: أتدري يا صديقي رأيت الشيب يعلو فوق رأسيهما و الشيخوخة نالت من جسدهما ، بقيت أنظر اليهما كأنني لم أراهما من قبل ونفسي تبكي يا صديقي لأنني منذ سنين وأنا كنت مشغولا بنفسي ولم أنظر الى قسمات وجهيهما، وانتابني احساس بالخوف والحزن، لأن والدي صارا عجوزين وضعيفين و سيحتاجان الى من سيتكفل بهما، وفكرت في الموت ولوعة الفراق الذي سيأتي يوما ما لا محالة، وبكيت في أعماق نفسي أسفا على نفسي لأني سأخذلهما بسب عجزي و حرماني و فقري في هذا الوطن الجريح الذي يحكمه المال والقوة ، و الفوارق الإجتماعية التي تمارس مستقبلي  لأول مرة وأنا في بداية مشواري في الحياة، و اكتشفت قساوة  العالم من حولي وفهمت سر الوجود و ما يحكم  العلاقات البشرية، التي يسيطر عليها منطق القوة وليس منطق الحق والعدالة والمساواة .
 و أضاف أبو حنصل المسكين و علامات الأسى واليأس تملئ تعابير وجهه : 
إن  إحساسي بالشفقة و الحنان تجاه منظر والداي خلال ذلك اليوم يا لن يفارق تفكيري مهما حييت، لأني اكتشفت دورهما في تكوين شخصيتي و بناء حياتي ومدى مساندتهما لي في كل مراحلها  وتضحيتهما من أجل بناء مستقبلي وسعادتي .
بكى أبو حنصل ذلك اليوم و أبكاني معه، لتنتهي تلك الأيام بفراقنا بعد نهاية السنة الدراسية و عودتنا إلى ديارنا و نحن نقرأ دائما قول ربنا في سورة البقرة : 
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا  لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ  رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا  رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا  رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ  وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا  أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
 البقرة (286﴾.
بعد سنين من ذلك اليوم الحزين، و بعد انتهاء مسارنا الدراسي، و دخولنا في مرحلة جديدة، عالم قاسي و مجهول، فقد إختطفنا واقع البطالة و الضياع والصراعات السياسية الهامشية، تلك الحياة التي كان يخشاها صديقي حنصل، هموم أخرى كانت تنتظرنا و هي البحث عن عمل شريف يكفي حاجتنا في العيش الكريم.
في أحد أيام خريف 2009 حيث كنت بصدد القيام ببعض الأعمال التجارية البسيطة بمدينة فاس، لمحت شخصا أمامي يشبه صديقي حنصل برفقته إمرأة تمشي بخطى ثقيلة ،أشرت إليه بيدي و إقتربت منه و أنا أبتسم، أهلا بك يا صديقي فتعانقنا طويلا و تصافحنا، و جلسنا طويلا و نحن نتذكر تلك الأيام التي خلت، نسترجع خلالها بعض الأحداث المميزة، و عن حالنا و أحوال عائلتينا.
كان في زيارة للمستشفى، برفقة أخته وهي مريضة  جدا، جلسنا وتذاكرنا و ضحكنا و تجادلنا لمدة ساعات، وتكلمنا في السياسة والدين والعائلة والعمل و تكلمنا عن الرفاق والاخوان والسلفيين والأمازيغية و المخزن و وأحوال المدينة و القرية ، وتفرقنا مرة أخرى على أمل اللقاء في مناسبة أخرى.
 
و بعد انطلاق ربيع التغيير سنة 2011 و تزعزعت خلاله عروش بعض الأنظمة الفاسدة، و سقط بعض الديكتاتوريين في مصر وتونس و اليمن و العراق..... من حكام العرب المجرمين، و إنقطعت خلاله أخبار صديقي  أبي حنصل و لم اعد اسمع عنه شيئا ، وسألت عنه معارفه والعائلة ، وقيل لي ربما رحل الى أوروبا و منهم من قال يعيش في  طنجة وبعدها ذهب لسوريا للقتال، الى أن جاءني الخبر اليقين بعد سنة ، أن أبا حنصل سقط شهيدا في الميدان ، يقاوم العدوان كعادته دفاعا عن المظلومين و المستضعفين، سقط برصاصة  قناص جبان ، فاصيب في رأسه ومات في الحين .
 اصابني حزن قاتل و بكيت لثلاثة أيام ، وأنا أتذكر كلماته لما التقينا في مدينة فاس خلال زيارته للمستشفى برفقة أخته المريضة و التي كانت بحاجة الى عملية جراحية عاجلة على القلب:  ماذا عساني أفعل يا أخي أحمد فأنا عاجز عن توفير ثمن العملية وسأعيد أختي الى البيت لتموت ، واذا ماتت فلن أغفر لهذا النظام المفلس الذي تحكمه عصابات أعماها حب السلطة والمال والتكبر في الارض ، ولا يكترثون لهذا الشعب المسكين ، وأردف متسائلا و هو يقبض على ركبتيه بقوة: هل سنموت نحن أيضا على هذه الحال يا احمد مذلولين ضعفاء مقهورين ؟؟؟؟ ألا نستطيع فعل شيئ لتغيير هذا الواقع ، لقد حرمنا من تعليم جيد ثم لم نستطع الحصول على عمل محترم ، والآن نعيش النكبات يا أحمد ؟؟؟ .........
مسكين صديقي أبو حنصل، أسد صار ضحية ، و ضاع مستقبله على يد من لا يخاف الله ولا يحترم الإنسانية .   

السبت، 5 أغسطس 2023

مقال توفيق بوعشرين حول قوالب الوزراء في المغرب

 

 

مقال توفيق بوعشرين حول قوالب الوزراء في المغرب

توفيق بوعشرين صحفي مغربي، ومدير جريدة أخبار اليوم كان رئيس تحرير يومية المساء المغربية، و قدم استقالته من الجريدة بسبب خلاف مهني مع مدير النشر رشيد نيني سنة 2008.
 في 23 فبراير 2018، اقتحمت قوة أمنية مقر الصحيفة التي يديرها توفيق بوعشرين، واعتقلته على الفور، دون أن يكون بوعشرين نفسه على دراية بسبب اعتقاله، ليعقب المداهمة والاعتقال إدانات واسعة مما اعتُبر خطرًا آخريخرق حرية الرأي والتعبير في البلاد، خاصة أن لتوفيق بوعشرين آراء سياسية ناقدة للسلطة لكن ما لبثت السلطات أن وجهت له اتهامات اعتبرها الرأي العام ملفقة و خيالية للإنتقام منه و إسكاته ، وهي الاتجار بالبشر والاغتصاب!
 لم يغلق تشديد العقوبة ضد الصحافي المغربي توفيق بوعشرين ملف هذه القضية التي وصفت بقضية القرن، في ظل التشكيك بهدف اعتقاله ومتابعته، بعد إحالة شكاوى نساء اتهمنه بالاغتصاب واستغلالهن، وكان التشكيك في شرعية المحاكمة ناتجاً عن ملابسات هذه الدعاوى والخروقات التي تمت خلال عملية الاعتقال، ثم تفاصيل المحاكمة لتكتمل بالحكم الابتدائي 12 سنة سجناً نافذاً وبالحكم الاستئنافي 15 سنة سجناً نافذاً .
وتوالت ردود الفعل الحقوقية والصحافية والسياسية المستنكرة لهذه الأحكام فور صدورها، وما زالت تتوالى، لتؤشر على إبقاء الملف مفتوحاً، ليس قضائياً فقط، بعد أعلنت هيئات دفاع أطراف القضية، كل لحساباته، أنها ستواصل الدفاع عن حرية الرأي و إستقلالية القضاء ، و يجمع المستنكرون أن أساس القضية برمتها هو ما كان يكتبه توفيق بوعشرين من انتقادات لأوساط وشخصيات نافذة، وتعبر عن خشيتها من أن تتواصل هذه القضايا في إطار تكميم الأفواه وتدجين الصحافة والصحافيين.




خلقت افتتاحية جريدة أخبار اليوم التي كتبها توفيق بوعشرين، و الصادرة يوم الخميس 22 أكتوبر 2015 تحت عنوان:  قوالب الوزراء، جدلا واسعا و أزمة  في المجلس الحكومي بين عبد الإله بنكيران و وزير الفلاحة عزيز أخنوش،  بسبب تمرير فوزي لقجع باعتباره مديرا للميزانية آنذاك قبل أن يكون وزيرا للمالية ووزير المالية الحاج بوسعيد، و أخنوش وزيرا للفلاحة 55 مليار درهم  لفائدة  صندوق تنمية العالم القروي دون مصادقة بنكيران كآمر بالصرف، و هدد خلالها أخنوش بمغادرة الحكومة لأن الثقة أصبحت منعدمة بينه وبين بنكيران، كما رفع أخنوش ومحمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية دعوى  قضائية مدير نشر «أخبار اليوم»، توفيق بوعشرين، يتهمونه بالقذف ضد الجريدة مطالبا بتعويض تعجيزي قدر قدره مليار سنتيم مناصفة (خمسة ملايين درهم لكل واحد منهما)، في سابقة من نوعها في كل قضايا الصحافة والنشر،أصدرت محكمة عين السبع بالبيضاء في فبراير 2018، حكما ابتدائيا في الدعوى التي رفعها الوزيرين وقضت بأداء الجريدة لـ25 مليون سنتيم لفائدة الوزير أخنوش، و20 مليون سنتيم لفائدة الوزير بوسعيد، بعدما طالب الملياردير أخنوش وزميله في حزب الحمامة، بتعويض قدره مليار سنتيم مناصفة (خمسة ملايين درهم لكل واحد منهما).

توفيق بوعشرين :قوالب الوزراء

22 أكتوبر 2015

 نقلا عن موقع alyaoum24.com

الملياردير عزيز أخنوش، ومدير الميزانية فوزي لقجع، ووزير المالية الحاج بوسعيد، الثلاثة نصبوا فخا مدروسا لرئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الأسبوع الماضي، إبان إعداد مشروع القانون المالي الجديد، ولأن هذا الأخير «نية»، ولأن معاونيه مشغولون عن الأرقام، ولأن إدريس الأزمي أصبح متفرغا بالكامل لإدارة مدينة فاس ونسي أنه وزير للميزانية، فإن رئيس الحكومة سقط ضحية «مقلب سياسي ومالي»..

نعم، رئيس كل الوزراء «زلق» في المادة 30 من مشروع القانون المالي، ولم يجد من وزرائه ولا من أعضاء ديوانه من ينبهه قبل دخول مجلس الحكومة للمصادقة على القانون المالي، ومن يقول له: «إن صندوق تنمية العالم القروي، الذي ستوضع فيه ميزانية تبلغ 55 مليار درهم على مدى سبع سنوات لفك العزلة عن 12 مليون مغربي، وفق ما أعلنه الملك محمد السادس في خطاب العرش.

هذا الصندوق الذي كان تحت تصرفك كرئيس للحكومة صار تحت تصرف وزيرك في الفلاحة، وإن هذا الأخير لم يعد يحتاج إلى توقيع رئيسه لكي يصرف أكبر ميزانية للنهوض بالعالم القروي في تاريخ المغرب. أكثر من هذا، فإن المادة 30 في مشروع القانون المالي الجديد الموضوع على جدول الأعمال تنص على إمكانية أن يفوض وزير الفلاحة، المكلف بقبض موارد هذا الصندوق وصرف نفقاته، إلى الولاة والعمال القبض والصرف، ما يعني أن وزير الفلاحة سيُصبِح «رئيسا لحكومة مصغرة» تصرف مليارات الدراهم الآتية من ميزانيات وزارات عدة، على رأسها التجهيز والنقل والداخلية والصحة والتعليم والماء والكهرباء».

لم يجد رئيس الحكومة من يقول له هذا الكلام، ولهذا دخل إلى المجلس الحكومي وصادق على مشروع القانون المالي بكل مواده، وحملته الأمانة العامة للحكومة إلى البرلمان.

يبدو أن أخنوش وبوسعيد ولقجع لم يسمعوا عن شيء اسمه الدستور الجديد، وأن حتى عباس الفاسي، وهو أضعف وزير أول في كل الحكومات المتعاقبة، كان يوقع شيكات صندوق تنمية العالم القروي، وكان هو الآمر بالصرف، فماذا بعد إقرار الدستور الجديد؟ وماذا بعد أن صار هذا الصندوق يحتوي على المليارات من الدراهم؟ ينص الدستور في الفصل 89 على ما يلي: «تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وضمان تنفيذ القوانين، والإدارة موضوعة تحت تصرفها». الفصل 90 من الدستور أكثر وضوحا وجزما في ما يتعلق بمصدر السلطة التنظيمية، حيث يقول: «يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء».

أيها السادة، الدستور موجود لتنظيم السلطة وليس للاستئناس به، والدستور ليس أوراقا وجملا وعبارات مسكوكة. هو تعاقد سياسي وقانوني بين الشعب ومن يحكم، وهو أعلى وأسمى قانون موجود في البلاد، واحترامه من احترام الشعب والديمقراطية ودولة القانون، وإذا حولناه إلى تمثال حلوى نلهو به ثم نأكله، فرحمة الله على دولة الحق والقانون.

لماذا لم تتم مصارحة رئيس الحكومة بهذا التغيير الجذري في الآمر بالصرف في صندوق يشرف على مشروع ملكي كبير مثل هذا؟ لماذا سكت وزير المالية ومدير الميزانية في وزارة المالية ووزير الفلاحة عن هذا الأمر الذي «دُس» بعناية بين الأوراق الكثيرة للقانون المالي حتى يمر بسلام من تحت الطاولة في المجلس الحكومي؟ ما هو المبرر لسحب توقيع رئيس الحكومة من شيكات هذا الصندوق ووضع توقيع وزير الفلاحة، وفتح إمكانية تفويض هذا الأخير إلى الولاة والعمال الصرف من هذا الصندوق؟ أسئلة عديدة يمكن طرحها في هذه النازلة، وهنا ينتفي مبدأ حسن النية والثقة المفروضة بين رئيس الحكومة ووزرائه، وبين الحكومة والإدارة الموضوعة دستوريا تحت تصرف رئيس الحكومة… يبدو أن ترتيبات 2016 بدأت باكرا هذه المرة، والمسلسل مشوق.

في معرض الفلاحة الأخير بمكناس، تقدم مدير شركة «كوسيمار» للسلام على رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، وأثناء تناول الطعام سأل بنكيران بطريقته التي تجمع بين الجد والهزل مول السكر: «واش نتوما اللي تتصنعو دوك القوالب انتاع السكر؟».. ضحك الجميع من السؤال وصيغته، لكن لم يتصور الحاضرون أن صناعة القوالب ستصير مهنة حكومية.


الجمعة، 27 سبتمبر 2019

مذكرات تأبى الحفظ في الذكرى 13 لرحيل المناضل مصطفى الخطابي


محمد الزياني












تقديم:
لم تكد تستقر عقارب الساعة على السادسة صباحا من يوم الخميس 29/06/2006 حتى كان قلب المناضل الودود والوديع : الخطابي مصطفى ـ أحد ضحايا سنوات الجمر والرصاص ـ  قد توقف وإلى الأبد عن الخفقان.
 اعتقل مصطفى سنة 1976  في إطار الحملة الشرسة التي شنها النظام المغربي ضد كوادر منظمة إلى الأمام التي كان مصطفى ضمن إحدى خلاياها التنظيمية بفاس . وواحد ممن شملتهم محاكمة 1977 الشهيرة لتي اعقبتها اضرابات واحتجاجات داخل السجون وخارجها خصوصا الإضراب التاريخي عن الطعام للمعتقلين السياسيين الذي استشهدت خلاله رفيقة درب مصطفى : سعيدة المنبهي سنة 1979 . حوكم مصطفى الخطابي ب10 سنوات قضى منها 8 سنوات ونصف ليغادر السجن المركزي سنة 1984 مباشرة بعد الانتفاضة الشعبية المجيدة ضمن الدفعة الأولى  التي ستليها دفعات مماثلة بعد نضال مرير للشعب المغربي وفعالياته الحقوقية والسياسية والتضامن الرائع الذي أبدته كل المنظمات الحقوقية الدولية  والهيئات الديمقراطية عبر العالم


واعتبارا  لحجم الخسارة التي مني بها الصف الديمقراطي  واليسار الجذري تحديدا برحيل مصطفى… واعترافا بعطائه النضالي الذي لازم مشوار حياته قبل وبعد التجربة السجنية القاسية .. أقدم هذه الشهادة المتواضعة كواحد ممن عاش بجنبه صغيرا ورافق جزءا من معاناته السجنية شابا / طالبا  وظل مدينا له بالكثير حتى بعد رحيله الأبدي
لحظة منغرسة في ذاكرة أهل حي ” دهار نمسعوذ ” بالحسيمة ، زمنها آواسط سبعينايت القرن الماضي
لحظة وشمت طفولتنا التائهة ونحن نشرئب بكياننا لفهم لغز الملابسات التي ميزت المرحلة بمستوياتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية العامة …حين فوجئ هذا الحي الشعبي البسيط  في ذاك الصباح وسكانه  يخرجون عن بكرة ابيهم مذهولين مذعورين أمام هجوم بوليسي وحشي استهدف  منزل عائلة هذا المناضل / الإنسان الذي ظل في أعين الجميع عبرة  في الأخلاق والسلوك وقدوة  يحتذى به في العلاقات الاجتماعية
هرع الكل نحو الجهة الخلفية لشارع بني مرين المطل على المنطقة الجبلية المقابلة ، حيث المشهد الملحمي : مصطفى الخطابي يتخلص من نعليه منطلقاكالسهم  حافي القدمين باتجاه الفيافي مخترقا ضفاف الوادي متسلقا صخور وهضاب دوار” بوجيبار” المقابل ، وخلفه يركض مجهولون يقودهم أحد رموز بوليس المدينة وقتذاك الذي ظل يراقب ويتابع المشهد من بعيد
 أشخاص غرباء يجهدون أنفسهم للحاق  بالخطابي الذي  أطلق ساقيه للريح  وهو شاب  ينضح  فتوة وقوة  وأمل في المستقبل ….. (قبل بداية مشهد الفرار ، قيل : أن هؤلاء اقتادوا مصطفى  في تلك اللحظة لمنزله ، ليدلهم  على شيء ما! بعد أن وقع فريسة في قبضتهم باكرا بنقطة من نقط المدينة وهو يهم بمغادرتها على عجل ). وكل من تابع هذا المشهد الملحمي  سكنه السؤال عن مغزاه لاسيما حينما يكون الهدف هو القبض على شخص ذو مواصفات تلك و محط إعجاب واحترام وسط الساكنة … هو الطالب االمحنك الذي تخطى صعاب الثانويات  ومثبطات التعليم بامتياز إلى رحاب الجامعة البعيدة المنال ..إلخ وتتقاطر الأسئلة ، غير أن الجواب ظل مكتوما بدواخل العارفين إلا ما كان باديا  على محيا البعض عبر همسات عابرة  تفيد ” بأن مصطفى   يتدخل في السًّياسة ” …. ولم يدم الأمر طويلا حتى سقط مصطفى  فريسة في يد الذئاب المسعورة  بمنطقة” ثرايذبارن ” عين الحَمَام ” بعد أن تهشمت قدماه  وتدمت وانسلخ جلدها بفعل الأشواك وحدة الصخور
ابتدأت  مأساة الاعتقال : بعد وصية أخيرة أطلقها مصطفى ـ لحظة فراره ـ  لوالدته التي لم تسمع منها سوى” إهتمي  بحقيبتي  ....والكتب .. !! ” وأمام هول الصدمة شرعت الوالدة بإحراق ما امتلكت أيديها من كتب ـ غصت بها غرفة مصطفى ـ في فرن تقليدي بجوار الدار وبعضها التقطها الإخوة في أكياس لتهريبها إلى كل الأمكنة المحتملة ..قل إلى  اللاّمكان ….(حكاية  المكتبة هذه ظلت الوالدة تحكيها في حلها وترحالها ،لاسيما لمن يتفقد زيارة هذه العائلة ، في إطار بعض التكليفات الطلابية التطوعية فيما توالى من الأيام) 
بعد الاعتقال مباشرة تم  إبعاد مصطفى  عن أنظار أهله ومدينته المكلومة ، إلا ما بدأنا نسمعه بعد الحدث بشهور: من أنه نُقل على وجه السرعة إلى الداخلية (العبارة التي تفيد عندنا مدن الداخل/ المركز) قبل سابقة تشتيت المعتقلين على سجون الوطن حيث كانت مدينة الشاون من نصيب فقيدنا  مصطفى وقتذاك.
ونحن في مشوارنا الدراسي /الثانوي بدأت تصلنا أخبار عن محاكمة 1977 المشهورة كنموذج صارخ  للمحاكمة الغير العادلة التي انبرى لها المعتقلون بصوت واحد ـ وسط زغاريد الأمهات ـ عبر أنشودة التحدي :
لنا يا رفاق لقاء غدا                           سنأتي ولن نخلف الموعد
فهاذي الجماهير في صفنا                    ودرب النضال يمد اليدا
سنشعلها ثورة في الجبـال                    سنشعلها ثورة في التلال
                     وفي كل شبر سنبعثــــــها                    نشيدايجدد روح النضال
                    ولا السجن يوقفنا والخطوب                 وليس يهزم عزم الشعوب
                              طغات النظام مضى عهدهم                    وشمسهم أذنت بالغروب
وكان من أصدائها شعارات حمراء كنا نصادفها مكتوبة على واجهات المؤسسات كل صباح من صباحيات تلك الفترة التي ميزها الغليان الشعبي الموازي لإضرابات  هؤلاء المعتقلين التي عمت سجون الوطن … 
 استبطنا شيئا غامضا مذاك وظل يلتهم دواخلنا دون القدرة على البوح بمغزاه : إنه عشق الحياة في صفائها  والاستعداد الدائم للتمرد والانتفاض ضد مظاهر الحيف والفساد فيها  ، تماما كما حاول تلقيننا إياه  مصطفى الخطابي ..
فامتدت الاحتجاجات إلى  ثانوياتنا المحلية والريف عموما  بما يشي بانبثاق تنظيم تلاميذي محكم في صيغة وداديات ….إدارات المؤسسات التعليمية عندنا  تستنجد ـ دون جدوى ـ بجمعيات آباء وأولياء التلاميذ للضغط على الأبناء وتخويفهم بمصير السابقين …قبضة حديدية تُدار بها الأمور ، أحذية البوليس تدنس ، بشكل متكرر ، رحاب هذه المؤسسات التعليمية وتعيث فيها ضربا ورفسا إلا من رحم ربك ….. يتنامى فينا شيئا فشيئا  إيماننا بقضية المعتقلين السياسيين من رفاق مصطفى ويشتد الشوق لمعرفة أخبارهم… ولما لا  ؟ حتى الفوز يوما ما  بلقياهم ومعانقتهم …
تلك لحظة نقتطعها من حصة زمننا الشبابي ، حين منينا بصدمة اعتقال مصطفى ورفاقه ؛ صدمة أجهضت كبرياءنا وتطلعنا المبكر لفهم لغز وتناقضات واقعنا المعاش .. ليصدق علينا بعدئذ  قول الشاعر ” في الليلة الظلماء يفتقد البدر ” ..
غُيب مصطفى وبدأت  تتداعى للذاكرة  تلك الجلسات الحميمية الممتعة التي قاسمنا إياها  بمنطقة ” ثًازْرُوط ” : المعلمة االمجالية (شبيهة بساحات دولة المدينة بأثينا اليونانية التي احتضنت محاورات سقراط للسفسطائيين) التي آوت  شباب المرحلة  من أبناء الدرب  كلما أحسوا الحاجة للتنفيس عن كربهم عبر الموسيقى والأغنية وشتى ضروب الترفيه الشعبي ،إلا أنها كانت أولا وأخيرا فضاء لمناقشات حرة وطليقة لمستجدات حاضرنا المغربي الذي يمور غليانا  … وتكتمل الدائرة بحضور المرحوم أحمد كينتو ونده أملاح احميدوش وبويزيضن كريم وجمال حميد… في حضرة صاحبنا  مصطفى  الذي اختبر تقنية إقحام الجميع  في سجالات فلسفية ونقاشات سياسية نتلذذ وننتشي بعمق ذاك التحليل المادي التاريخي وجدليته لأهم قضايانا المجتمعية .. في وضع موسوم بإفرازات الظاهرة الهيبية والبوهيمية والفوضوية ..وانتشار المجموعات الغنائية الملتزمة والثورية في كل مكان من المعمور: فهذا الشيخ إمام وفؤاد نجم بمصر و الخنافس BEATLES THE والصخور المتدحرجة THE ROLING STONES  بالغرب الأوروبي و JOAN BAEZ معBOB DYLAN  ل بالغرب الأمريكي وصوت شهيد الأغنية التحررية : فيكتور خارا يصدح سماء الشيلي ككابوس مزعج على الدوام لديكتاتورية بينوشي وأمثاله… والغيوان وأوسمان وإزنزارن عندنا وغيرها……  ونحن في  وهج النقاش والانغماس في التعاطي لملذات المرحلة ، التي سرعان ما يقع  الكل بفعلها تحت وطأة  عالم  الحال   الغيواني والسياسي  معا
على مدار  فترات العطل الدراسية الكثيرة  في بلادي،   ظل مصطفى  يعزز هذه الجلسات ملاحظا وموجها لنقاشات أبناء الدرب الذين يجمعون على احترامه وتقدير مكانته كطالب جامعي يتباهي حيّنا الشعبي المتواضع بإنجابه  مع قلة من أترابه … .
وأمام فاجعة رحيله اليوم ، أتذكر ، شخصيا ، تقاسيم تلك الجلسات التي يكون فيها مصطفى متأبطا لكتاب من الكتب المتباينة  عناوينها : من “الكتاب الأحمر” و” في التناقض”  لماو تسي تونغ ” (المدسوس دوما عنده في غشاء راديو Transistor) ، إلى” الإنسان ذو البعد الواحد” ل هربيرت ماركيوز  HERBERT MARCUSE مرورا ب”البيان الشيوعي”  وكتيبات الجيب من طبعة دارالفارابي وابن خلدون وغيرها كثير مما شاءت  الظروف بعد ذلك أن أطلع وسواي، عليها في تفاصيلها ، بعد أن أوصى  الفقيد ، من قلب السجن ، بوضع ما تبقى بمكتبته من تحف نادرة رهن إشارتنا   ..
كنا وقتها في بداية مشوارنا الفني بمجموعة تواتون الغنائية التي انبثقت ، في جزء كبير منها ،  من هذا الحي ذاته (دهار نمسعوذ)، مستأنسين  بذات النقاشات ، مسترشدين بها في اختيار تيمات أغانينا الملتهبة والمتفجرة انفجار الوضع العام بالبلاد .. صادف ذلك بداية تلمسنا  الطريق نحو الغناء الأمازيغي  بأغنية :
ربحار مارا يتهاج ونتهيج أكيذس                        قنشين ذغزران ودنتيس أكيذاس  …
………………….
مسكونين كنا  بأغاني الغيوان الأولى في حضرة بوجميع ، لِما عثرنا فيها من ملاذ آمن من حرقة هذا الواقع وأسئلته !  أوليست هي المجموعة التي صاحت صيحتها المدوية:
مــــــــا همـــوني غير رجال إلى ضاعو                 لحيوط إلى رابــــــــــــــو كولها يبنـي دارْ
ما هولوني غير الصبيان مرضو وُ جاعو                والغرس الى اسقط نوضو نغرسو أشجارْ(…)
امصير وحدين عند اخرين ساهل تنزاعه         واشعاع الشمس ما اتخزنه لسوارْ
زاد ســــــــبوعا تابــــــعاه لتمنــــــــــاعه          من حرك عينه ف راسو مدوه للْجزارْ
وكذلك أغنية :
سبحان الله صيفنا ولى شتـــــــــــوة                وارجع فصل اربيع ف البلدان خريف
وامـــــضات ايامنا سرقاتنا سهـــــوة                وتخلطت لديان شلى ليك انصيف
ولا تلقى اعديل كايقبل شكوى                 ويبلغ ما يخون ما يرضى تكليف
جور الحكام زادنا تعب وقسوة               لا راحة ولعباد ف نكد و تعسيف
والحاكم كايصول كايقبض الرشوة               والشاهد كيدير ف الشهادة تحريف
افهم المعنـى  وعيق واستافد وروى               هذا سر لكنان ما رامه تصحيف
        كبرنا وكبرت معنا ذات الأسئلة  ، التحقت بعدئذ بجامعة محمد بن عبدالله بفاس  مسكونا  بشوق ” الأمس القريب ” : لقاء ومعانقة مصطفى في وضعه المفروض …  اندمجنا بمن سبقنا إلى هذا الموقع الجامعي الذي كان يمور غليانا متبوئا بذلك مقدمة النضال الوطني … سَرَتْ علينا القاعدة المنطقية “تحصيل حاصل” : فيكفي ان تكون من الحسيمة ، فأنت قاعدي مهيأ الحماسة لدخول غمار النضال الأوطيمي UNEM…حيث تنفسنا الصعداء  ضمن جموع المتظاهرين برحاب  كليتنا الآداب والعلوم الإنسانية التي كانت  تصدح بشعارات نارية تعكس مبدأ “لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة ” وصادفنا تزامن  إحدى أضخم هذه التظاهرات مع انعقاد ” مؤتمر القمة العربية 12 بفاس : 25 نونبر 1981″ كما عايشنا غمار الصراع الانتخابي التعاضدي وانخرطنا ، بشكل مباشر و غير مباشر في لجن متفرعة كانت إحداها خاصة بدعم المعتقلين السياسيين وعائلاتهم ، والتي حرصت على تفعيل أجندة الزيارات عبر المواقع السجنية على مدار السنوات اللاحقة..
            لا أجد  صيغة تعبيرية تسعفني على وصف  مشاعري وأنا أدشن لقائي الأول بمصطفى/ المعتقل وأنا بإحدى ردهات السجن المركزي بالقنيطرة في زيارة لي صحبة رفيقي وزميلي مصطفى أعراب موسم 81/82 ..بعد أن قضينا ليلة بيضاء بإحدى فنادق القنيطرة (السعادة !) بمحاذاة سكة القطار ..هذه المدينة  التي ارتبطت لدي دائما بما دققتْ  في وصفه  أغنية حسين السلاوي عن قواعد الأمريكان و ما نتج عنها من ظواهر اهتزاز وتضعضع لبنية القيم المجتمعية التقليدية  حيث تقول : 
            ” دخلت المريكان الناس تقوات والنسا علينا جارو ****** لمزوجات دارو اسباب على رجالاتهم غابو
             شحال من هي معشوقة داروليها الشان المريكان******* تسمع غير.أوكي أوكـــي هذا ماكـــــــــــان
  فالكوشي مع الطوبــــــــــــــــيس مالقيت نوبتــــي *******ليمان وشمال ما تســـــــــــــواشي كليمتي
  حتا من الفيلو ـ طاكسي دارو لها الشان المريكان*******تسمع غير OK ..OK  هذا مـــــــــــاكان
  فرقــــــو الفانيد والسيكّار زادو الـــــــــــــــــدولار********حتى من العجايزكبار شــــــــــــراو الفولار  
  حتى منهم صغيورات إعقدو اللسان المريكــــان ********تسمع غير OK ..OK  كامون الباي باي …”
             هكذا وجدنا أنفسنا مع مطلع الصبح  ضمن هذا الطابور من الزوار الذين منهم من أمضى الليلة في العراء بجوار ” قلعة المنفى” هذه، الممتد ة على ضفاف نهر سبو ..هناك فزنا أول الأمر ، بمراسيم الزيارة بعد اجتياز محنة الكشف عن الهوية وسر القرابة  وإيداع محتويات (Panier)  لدى إدارة السجن (وقتها كان المعتقلون قد خرجوا  للتو من معركة  “تحسين ظروف الزيارة” ).. خطونا خطواتنا الأولى داخل باحة السجن الفسيح في اتجاه المجهول ونحن دون سابقة لهذا المكان الموحش ..تِهنا بين دهاليز مظلمة (قيل لنا بعد ذلك إنها للحق العام )  حيث وقفنا على مساهد ووضعيات مؤلمة ، سرعان ما أحالتني  على إحدى  قصائد عبد اللطيف اللعبي:
 التي تستحضر بشاعة هذا المكان وهندسته بشاعرية نادرة أتقن نشدانها بعد ذلك الفنان سعيد المغربي …
اليوم تكتمل عوام أربع  ، منذ انتزعوني منك من رفاقي ومن شعبي
قيدوني أخرصوا صوتي عصبوا عيني منعوا أشعاري ….
نفوني إلى جزيرة صغيرة  من الإسفلت والصدإ  ، ألصقوا رقما على ظهر غيابي
حرموني من الكتب التي احب ..من الأخبار والموسيقى
ربع ساعة كل أسبوع لرؤيتك ،عبر أسلاك يفصل بينها ممر
كانوا هناك بيننا ، يمتصون دم حديثنا
واضعين مقياس الوقت موضع الدماغ …
لا لا لا لا لا لا لا لا لالالالالالالالالا
            غيّرنا وجهتنا ذات اليمين..باحثين عن الجناح السياسي داخل هذا العالم المحجوز وراء هذا الصرح الإسمنتي العتيق ! وما هي إلا هنيهة ، حتى انتصبت أمامنا قامة شخص “مرفوع الهامة “، ممتلئ الوجه والبنية …إنه  مصطفى الخطابي  عينه  ..  انحبس  الدمع في عيني و لم أنبس لحظتها  ببنت شفة ..لشدة  تاثري الممزوج باندفاع الذكريات وتداعيها دفعة واحدة .. عكس زميلي أعراب الذي فاتحه التحية وحديث تعارفهما الأول .
 استسلمت لإحساس خاص ، وكأني بك أحقق حلما قديما راودني وأنا قابع في دواخلي بذلك الحي الشعبي المتواضع هناك بالريف ….قبل أن أعانقه  عناق بطل  خرج للتو من غمار المعركة  منتصرا … نعم ،  وما أكثر هذه المعارك التي  حكى لنا مصطفى عن تفاصيلها كما عن ملابسات  استشهاد عبد اللطيف زروال و سعيدة لمنبهي … اجبيهة  رحال … ورفاق آخرين ..وعن تفاصيل التعذيب في أقبية ” الدرب “ وتشتيتهم على سجون الوطن قبل معركة التجميع التاريخية …
كان اللقاء مختزلا  لشتى معاني الوفاء والإخلاص لذات القيم التي وُجد من أجلها مصطفى في هذا النفق المظلم …تبادلنا الحديث عن أحوال الجيران  ورفاق الدرب ومجموعة” تواتون” الغنائية  واستمرارها الفني وأحوال المدينة الجميلة بأحلام  وطموح أهلها …يسأل عن تفاصيل ودقة الأشياء التي قد لا نعيرها اهتماما و لا نلتفت لها في زحمة انشغالات حياتنا اليومية …قبل الخوض في تفاصيل الحكاية ومنعرجات زمن الاعتقال والمقام وما ميزه من نقاشات ساخنة فترة 1979  مع إبداعهم لتقنية حضارية وناجعة لتدبير الاختلاف بين الرفاق إزاء تقلبات الأمور الداخلية والخارجية ..أطلعنا على مجهوداته الإبداعية وكتابات سياسية  منها بحثه المشترك مع رفيقه امغاغة  حول “بروز وتطور الفكر الاشتراكي بالمغرب “….وكذلك التفاتاته الخاطفة للإبداع الأمازيغي في مجال الشعر والغناء ..حيث أقر لنا في الزيارة الأولى بأنه ” مدمن على سماع الأغاني الريفية عبر الإذاعة، غير انها مستفزة في غالب الأحيان لما تجسده من إسفاف على مستوى اللحن الذي غالبا ما يكون مستعارا من إسطوانات الشرق عند فريد الأطرش وأم كلثوم وعبد الوهاب ..” ويعترف بأن الأجهزة الإعلامية الرسمية تفضل الإتيان بهذه النماذج لتلطيخ حقيقة الفن الأمازيغي في تمظهره المتخلف  ، بدل أن تعمل على إظهار هذا الفن عند الجيل الحديث و الجديد الملتزم في تناوله  لقضايا الواقع الاجتماعي والسياسي  …في ذات المرحلة  ناولنا  بعض القصائد التي كتبها بالأمازيغية  ومنها بالخصوص ” ثزروط ننكور” التي ستشتغل عليها  مجموعة تواتون بعد ذلك مباشرة  بمقدمتها :
رُو أيُورْ إنُو رُو أيورينو  روثَــــــن ذِذَامّـــنْ ******أزايْسَنْ  سَسْوَغْ ثموث إنو ذِمَضْرَانْ نْرَجْذُوذْ إينُو
ثَزْرُوطْ نَنْكُورْ أَوَشْمَا أَقَاشَمْ جَا نْتِطّاوِينْ إِينُو ******إِفَاسّنْ إِنَــــمْ غَارُوجَنّا تَرْاَغيِــذْ أَرَحْبَابْ إِينُــــــــــو
 و قصيدة ثانية جاد بها مخياله وهو يتأمل صورة شقيقته الصغيرة ميمونت التي كانت قد زارته حديثا رفقة والدتهما في هذا المكان وظل مذاك مسكونا بسحنات وجهها الملائكي البريء كما بحركاتها وحديثها المنساب كماء الزلال !! مطلعها” مَشْحَارْ إِنَضْحَخْ مَشْحَارْ إَنَعْيَارْ مَشْحَارْ إِنْغَنّاجْ ذْرَلّا ُبوَيا ….” وقصائد أخرى ك : ” شك ذوما ” و ” بيروت إذامن ”  وغيرها مما أغنى رصيد مجموعة تواتون بشكل جلي .
كنا كلما استحال  تعميق النقاش إزاء قضية من القضايا الفكرية أو السياسية أوالثقافية ، لضيق الحيز الزمني المخصص للزيارة ، نضطر لإدراج ذات الموضوع ضمن أولويات مراسلاتنا التي لاتزال شاهدة على  هذا الجانب الملهم للاجتهاد السياسي والفكري العام المعزز بالتحليل العلمي والتاريخي الذي يظل المبضع الأنجع  لتشريح مفاصل  واقعنا الاجتماعي والثقافي والسياسي  …
في رحاب تلك ” القلعة الإسمنتية”  تعرفنا على رفاق آخرين واندمجنا معهم  ، ولو للحظات خاطفة،  في حميمية  لا نظير لها ، فبمجرد جلوسنا القرفصاء لتبادل أطراف الحديث مع مصطفى ، يهم أحدهم لتهيئ نوع فريد من الشاي (أتاي) الذيتظل نكهته ترافقنا حتى ونحن عائدون إلى الديار …ويبدأ الرفاق بالانضمام إلى حلقتنا المصغرة التي سرعان ما تتسع دائرتها لكل الأفئدة التي تشتم فينا  وعبرنا نحن الزوار عبير الواقع الخارجي بأخباره ومستجداته وحركاته …. فهذا مصطفى التمسماني يلج الحديث معلنا انتماءه الريفي الأمازيغي  الذي ورثه  عن جدته رغم استقرار العائلة بطنجة لزمن بعيد  ، وهذا شيشاح ميمون يستعرض ذكرياته عن ثانوية البادسي وداخليتها ، وهذا المناضل قادة يقترب  بلطفه وعطفه  ليبتسم للجميع ، وأثار الآسيد الحارق بادي على وجهه،  وهذا عبد الله الحريف يمرأمامنا بقميصه المخطط لا يفارقه في ذلك تواضعه وبشاشته  ، وهذا زعزاع عايناه في إحدى زياراتنا، عن بعد ، وهو  يعاني ما يعانيه وأثر سائل أزرق اللون يملأ فمه  وهو لا يزال  يجهد نفسه للمشي على قدمين اختبر فيهما الجلاد ساديته ووحشيته الوضيعة والحقيرة … وهذا أبراهام السرفاتي الذي صادفناه مرة محاطا بالورود منتصبا على عكازيه وهو في حداد على  وفاة والدته … فكانت مناسبة لنا لتقديم العزاء له والتسرب إلى عالمه الذي ، كم خلنا واهمين ،  استحالة  اختراقه  ومعايشته  .. .. مناضل بسيط يلح على الابتسامة ونبذ الاكتئاب بقوله: ” مهما كانت الفواجع والصعاب ، فالحياة تُواجه بالأمل وليس باليأس والاستسلام والخنوع …“  وهذا أمين عبد الحميد منهمك  في تعليم ولده الصغير في زاوية من زوايا المكان …   والأم/ الزوجة  تتابع المشهد  الذي أضحى قاعدة كل الزيارات …هذه الأم /الزوجة لتي ظلت شاهدة على كل هذا الذي شكل سر نجاحات الأبن المتتالية …وكيف لا وهي التي انخرطت في معمعان  نضال عائلات  المعتقلين اللواتي  وشمن كفاحهن بالدموع والصبر والمثابرة والتحدي (ضمنهن والدة مصطفى) …إلى أن تحقق النصر بخروخ الأفواج المتتالية  من هؤلاء  الأبناء والأزواج لتعود البسمة تكسو  وجوههن ويعود التفاؤل لهؤلاء المعتقلين الناجين من جحيم العدم المطلق لنعانقهم هذه المرة عن قرب  بعدما انهارت سجون النظام أمام صمودهم وعجزت عن تحويل تفاؤلهم وأملهم إلى مجرد سراب وذكرى ….
لازلنا نتذكر إحدى زياراتنا لمصطفى بُعيد انتفاضة 1984 وما تلاها من مستجدات الساحة السياسية عندنا ، انفعاله وغيضه الشديدين  لما اعتبره طعنة  نفسية بليغة مضافة تلقاها سكان الريف والشمال عموما المنعوتين ب”الأوباش” ، ذاك النعت التحقيري الذي لم يستصغه مصطفى في حق أبناء جلدته ، مما زاد من قناعته  بطبيعة نظام عرف جيدا هو ورفاقه كيف يختارون خندق مواجهته المستمرة….
وبعد هذه الانتفاضة بشهور تتكسر أغلال بوابة السجن المركزي بالقنيطرة لتنطلق منها بسمة هذا الفوج الأول المغادر لجدرانه النتنة الذي كان ضمنه مصطفى ..وتعلو الفرحة  مؤقتا وجوه الأمهات والزوجات والرفاق ..   
 دوت في فضاء حينا الشعبي زغرودة  العودة  التي أطلقتها  : والدة مصطفى الخطابي التي نالت ـ  مع المرحوم زوجها ـ حظها من معاناة عائلات المعتقلين  وجابت معهن ربوع الوطن بحثا عن الإبن المفقود والمغيّب بصيغة الجمع في سجن من سجون هذا الوطن الفسيح…توافد الأهل والجيران والرفاق والزملاء والأصدقاء على منزل مصطفى الخطابي بمجرد ذيوع الخبر الممزوج بالدهشة : 8 سنوات ونيف !!  لم تغير من الصنديد مصطفى شيئا  :ذات الثبات على المبدإ  والعزيمة  لشق عباب البحر رغم عنف الهيجان  وزمهرير الرياح …ذات الملامح  وتقاسيم الوجه التي أضاف إليها الزمن الخائب تجاعيدا كتب عليها تفاصيل الحكاية منذ بداية المعاناة والتحدي.
استأنس مصطفى لأيام معدودة بدفء عشيرته وأهله وسط حيه الشعبي” دهار نمسعوذ”   ، قبل أن يستأنف الرحيل لمدينة تبادل وإياها تحايا الحب ومشاعر العشق منذ مرحلة دراسته الثانوية حبث استقبلته ـ مغضوبا عليه من قبل إدارة البادسي  بالحسيمة ـ إنها مدينة تطوان التي اختارها مقرا أبديا احتضنته حيا و ميتا  … ففي هذه المدينة ذات السحنة الأندلسية شرع  ورفيقة حياته  فاطمة (التي تعرفنا عنها أول الأمر بالمركزي خلال إحدى زياراتنا المذكورة…)  شرعا معا في تنفيذ ما تبقى من مشروع المسار الذي ااستأنفاه بحذر وسط ألغام معلومة وأخرى مجهولة …قبل أن يندمج مصطفى رويدا رويدا في دواليب الحياة العامة التي تتبّع دقائق أمورها  من موقعه النقابي بالاتحاد المغربي للشغل بعد أن نال حقه من إحباطات تجميع اليسار الجديد بداية التسعينات ..وكان في استئناف مسارههذا عالي الطلعة وساطع المواقف .. وليس بغريب وهو نموذج المناضلين الذين لم تسحقهم آلة الإغراء والرغبة الجامحة في تسلق المناصب الرسمية عبر جثث  الشهداء…  و ظل طبعه الريفي مختزلا لمعاني الإخلاص والوفاء  والتشبث بالمبدأ:  طبع بمثابة درعه الواقي  وصمام امان ضد كل اهتزاز وتذبذب وتيهان ..  
كان استاذا للآخرين في المروءة والتواضع المفرط  وفي التوجيه والذود عن الحقيقة أينما ولت وجهها …. يصغي كثيرا  ولا يتدخل إلا في الجديات من الأمور ….ونادرا ما كان يوفر للسانه  فسحة التعبير الحر والطليق مع  رفاق معدودين ممن تجمعه وإياهم  صداقة بطعم إنساني فريد  ك : ذ . بغداد وذ . أزرياح وذ. بوسراو إضافة لأبناء الحي : احميدوش والعاقل وجمال وكريم وآخرين ..
يجمع عارفوه بأنه من القلة الذين يستبطنون قيم الشهامة وكتمان السر ، حتى في أحلك لحظات وقوعه بين مخالب الجلاد .. مخلصا للرفقة لا يتسرع في إصدار الأحكام إلا على مهل وترو وتحليل  ….. هي خصال لازمته مذ كنا برفقته بحينا الشعبي  وهو يجادلنا بالطريقة السقراطية في تسآله عن ماهية الأشياء  التي كنا نستخف من بساطتها وتفاهتها حتى نجد أنفسنا في صلب الإشكالية وشرك الأسئلة المتتالية ….فهيهات ، فتلك هي منهجية الحكماء !!
 والآن ماذا تبقي لنا من مصطفى لنقدمه عزاء  لكل  من فوجع برحيله المبكر خصوصا زوجته  المكلومة:  فاطمة ونجليه  : ريم وزياد  ووالدته للا ميمونت وأخواته فاطمة والزهرة ثاميمونت ((التي ظلت صورتها تلازم الفقيد  وتقاسمه  معايشة  وحشية زنزانته زمن الاعتقال  ))  ثم محمد وعبد السلام وسعيد  …..ولكل من سار يوم وفاته في موكب جنازته التي فازت بجمع شمل اليسار الجذري ما فشلت في جمعه ملتقيات ومنتديات سياسية بعناوينها العريضة والمتباينة …..
  كم تمنينا أن تكون لحظة وداع مصطفى الأخير ، قد شكلت فرصة ثمينة ليلتفت كل منا لمن تبقى حوله من رفاق وهم يتساقطون تباعا من دون أن ننعم بخبرتهم وتجاربهم في النضال والحياة ، فلنغادر ابراجنا العاجية ووهم الانفراد بالحقيقة  …ونتخلص من هذا العبث الذي يأسر كبرياءنا وعنادنا وأنانيتنا في زمن الألفية الثالثة التي يحز في النفس أن نتباها فيها بنضاليتنا الموؤودة…. فلنقترب  متواضعين شيئا فشيئا من منطقة الحياة التي أضحت مساحة الأمل فيها تنكمش وتضيق تدريجيا حد الامحاء والانطفاء
anwalpress.com



الأحد، 10 فبراير 2019

الوافي قجوع المقيم في بلجيكا يغادر السجن بعد اعتقاله على خلفية نشاطه في دعم حراك الريف





غادر الوافي قجوع المعتقل على خلفية حراك الريف سجن رأس الما بفاس بعد استنفاذ عقوبته التي اصدرتها محكمة الناظور في حقه.
وكانت المحكمة الإبتدائية بالناظور، قد ادانت الناشط بحراك الريف بأروبا والحامل للجنسيتين المغربية والبلجيكية، بسنة سجنا نافذا وغرامة مالية قدرت بـ2000 دره، قبل ان تخفضها محكمة الاستئناف الى 8 اشهر.
وتوبع قجوع بتهم تتعلق بـ” حيازة بضاعة أجنبية، بدون سند صحيح، خاضعة لمبرر الأصل، والمس بسلامة الدولة الداخلية عن طريق الدعوة إلى تدبير مؤامرة والتحريض علنا ضد الوحدة الترابية والتحريض على إرتكابها، بالإضافة إلى التحريض على تنظيم تظاهرة غير مرخصة ووقع منعها والتحريض على العصيان المسلح والإتجار في المخدرات وتسهيل استعمالها”.
وجدير ذكره أن الناشط قجوع تم توقيفه بمجرد حلوله بمدينة الناظور عبر المعبر الحدودي ببني إنصار، فيما سبق للناشط أن حل بالمغرب قبل ذلك في عدة زيارات.

دليل الريف 



الأحد، 2 ديسمبر 2018

نصيحة لكل المراهقين السياسيين والفاشيين أصحاب التفكير العرقي القبلي في الريف

نصيحة أخوية إلى كل المراهقين السياسيين, الذين يتعاملون مع حراك الريف بالعاطفة العمياء بالاعتماد على النزعة العرقية الضيقة , متأثرين بأقزام سياسيين ذوي خطاب فاشي قبلي ,يثير الشقاق بين أبناء الوطن الواحد ويتهجمون  بالسب والقذف , وتهم التخوين على كل من لا يساير ولا يتفق مع أهواءهم, من نشطاء ومناضلين ساهموا ولا يزالون يتبنون  سياسيا وفكريا  مواقفا مشرفة ومساندة للحراك الشعبي الجماهيري في الريف ، ويدافعون عن فكرة التركيز في الأهداف والمطالب على أولوية احترام وترسيخ قيم ومبادئ حقوق الإنسان الكونية في علاقتها بالممارسة والسلوك والتفكير التي كرستها كل القوانين والعهود و وصارت مستعجلة وآنية وتتجاوز كل الحدود الاقليمية وتتطلب ضرورة تحقيق التعايش السلمي المطلوب بين كل أطياف المجتمعات .
ووجب التأكيد على أن المراهقة السياسية قد خدعتكم وأهواءكم !! وأؤكد لكم أن من يفكر بمنطق العرق واللغة والدين والطائفية في زمن العولمة سيتصارع غدا من أجل نفس الهدف، أي القبيلة والعائلة والنسب والطائفة ، وبالمقابل سيتسفيد من أخطاءكم من هم أذكى منكم وهو العدو الذي يتربص بنا جميعا ، وهذا سلوك  يثبت تخلفكم السياسي  الذي  تجاوزه تطور الواقع الاجنماعي!! لأنني أرى أن مستقبلنا في ظل خطاب التشتيت واعتمادا على هذه النزعات الشعبوية  سيكون تدميريا  على غرار ما يقع لشعوب  منطقة الشرق الأوسط الشقيقة والصديقة وخدمة مجانية للأعداء.

السبت، 30 ديسمبر 2017

الى متى؟؟ سنتغير...؟؟ حتى نغير غيرنا...؟؟

في السابق كان التاريخ يحكي لنا عن جرائم الامبريالية الأوروبية الفرنسية والانجليزية والأمريكية والسوفياتية الروسية في حق الشعوب المستضعفة.
أما الآن فسنسمع بكل اشمئزاز عن جرائم الأنظمة العميلة و عساكر الخيانة الذين اختطفوا مصير شعوبهم، ومارسوا ضدهم الابادة كلما هددت كراسيهم، وما يقع في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وما وقع في الجزائر خير مثال وعبرة لنا .....الخ
و لهم جنسيات مزدوجة و ثلاث ورباع، يقاتلون شعوبهم بالوكالة، ويرعون مصالح  هذه القوى الامبريالية التي تنشر ما يسمى بالفوضى الهدامة وليست الخلاقة كما يدعون، كي يزدادوا غنى ونزداد نحن خرابا وفقرا وجهلا، ونصير عبيدا نباع ونشترى في أسواق النخاسة ما دمنا متخلفون، نقبل على قتل بعضنا البعض، بدون ندم كالحيوانات، بسبب تنوعنا واختلافنا الطائفي والعرقي والديني، لأننا لسنا ديموقراطيون من الاصل ونحب السيطرة مثلهم، ولا نحب من يختلف معنا أو عنا.
مهما اختلفت الايديولوجية و طريقة التفكير، ومهما ادعينا الحداثة والتطور والتدين شكليا، فالجريمة واحدة والضحية يبقى هو التعايش الانساني والعدالة والمساواة والاحترام المتبادل.
 هذه هي نقط الضعف فينا ؟؟؟ مهما اشتكيتم من ظلم الأنظمة المجرمة المتسلطة، والجاثمة عليكم.
   نحن معاشر الشعوب المتخلفة ،والنخب المتزلفة، لسنا دائما على صواب رغم اتخاذنا لموقع الضحية، قد نكون نحن هم أدوات الجلاد.
 لا خير يرجى منا سواء كنا إقصائيين أو قطيع.
 فلنغير أنفسنا، ثم بعد ذلك لنفكر كيف سنغير هذه الانظمة الاجرامية ونرمي بها في البحر أو ندفنها في مزبلة التاريخ .... الى متى...؟؟ سنتغير ؟؟؟


الأحد، 3 سبتمبر 2017

خالد الجامعي : عندما يتخلى الملك عن العدل يتخلى الشعب عن الطاعة

كثيرون هم الذين سيتساءلون لماذا أتوجه من جديد إلى الملك؟
أقول لهم، وإلى من تريدون أن أتوجه وأخاطب؟
هل سأتوجه إلى رئيس الحكومة الشبح، الأصم الأبكم، والذي لا سلطة له ولا وجود ؟ أم إلى حكومة لا حول لها ولا قوة، فقدت كل مصداقيتها ولم يبقى لها أي مشروعية شعبية؟
أم إلى وزير الداخلية سيئ الذكر أعتى خدام الدولة ؟
إلى أحزاب أكل الذهر عليها وشرب إلا من رحم ربي؟.
لذا، لا مناص من التوجه إلى الملك، ولا سيما وأن الكل متفق على أننا في ملكية تنفيذية يسود الملك فيها ويحكم، ملك له كلمة الفصل في كل المناحي، هو الأمر والناهي.
إني أتوجه إليكم بمقتضى ما يقره دستور2011، رغم علله، وبمقتضى ما تخوله فروض البيعة التي تربط المغاربة بالملك.
أتوجه إليكم لأن الدستور يربط السلطة بالمسؤولية و المحاسبة .
فحق لي أن أجادله وأساءله .
إني أتوجه إليكم، لا كناصح أو معط للدروس، و لكن حبا في الوطن وخوفا علي مستقبل هذا البلد.
باب ما جاء في حَرْكَة المخزن وحراك الريف
إننا أمام حَرْكَة مخزنية ضد حراك ريف.
أستعمل كلمة الحَرْكَة (بالراء الساكنة)، لأن ما يقع الآن في الريف وفي عدة مدن مغربية، لا يختلف على ما قام به المخزن إبان حَرْكَة التطهير المشؤومة التي قادها إدريس البصري والتي كادت أن تقضي على الاقتصاد المغربي، والتي اتسمت بالاختطافات وتلفيق التهم والمحاكمات غير العادلة والأحكام الجائرة.
وفي الأخير اضطر والدكم إلى التراجع وإلغاء هذه الأحكام الجائرة وإيقاف هذه الحَرْكَة المخزنية.
إن هذه الحَرْكَة التي تعرفها مناطق الريف، تعد خرقا سافر لحقوق الإنسان ولالتزامات المغرب الحقوقية، تعتبر نقيضا لمفهوم دولة الحق والقانون المنشودة، نظرا لما اتسمت به من شطط في استعمال السلطة وتسخير سافر للقضاء والعدالة.
وقد قال الحكماء قديما: “عندما يتخلى الحاكم عن العدل يتخلى المواطنون عن الطاعة” .
إن المغاربة يريدون أن يعرفوا اليوم، هل هذه الحَرْكَة أنتم الذين أمرتم بها أو وافقتم عليها؛ لأنه لا يمكن أن يصدق أحد أن هذه الحَرْكَة هي صنيعة أفراد مهما كانت مسؤوليتهم وسلطتهم.
كما انه لا يمكن لوزير الشؤون الإسلامية، الذي هو على رأس وزارة سيادية، أن يقوم بفعلته لو لم يكن واثقا بأنه لن يساءل ولن يحاسب عليها. هذه الفعلة هي التي أعطت الانطلاقة لهذه الحركة ولفتها بغطاء ديني.
فإذا كان الأمر كذلك نقول لكم لقد أظلوكم.
وقد تكونون قد وافقتكم على هذه الحركة بعد أن اطلعتم على ما قدم إليكم من حجج وتحليلات وتقارير سياسية ومخابراتية.
وقد يكون قد قيل لكم أن هذا الحراك هو من صنيعة شردمة تريد الانفصال، شردمة تخدم أجندة أجنبية وتريد الفتنة والمس بأمن واستقرار المملكة، وأن المطالب المقدمة إنما هي حق أريد به باطل، وإن هؤلاء” ثلة من المجرمين” لا سند لهم وأنه يمكن القضاء عليهم في أيام معدودات. إلا أنه يتضح اليوم أن كل ما قيل لكم ما هو إلا كذب وبهتان وافتراء وفبركة.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” .
أقول لكم: إنهم أظلوك وأغروا بك وآسائوا إليك وخدعوك وأطعموك الباطل وجعلوك في موقف لا تحسد عليه . فأصبحت الآن في مواجهة مع جزء كبير من الشعب
ما جاء في باب نازلة مسجد محمد الخامس
في هذه النازلة التي أشعلت الفتيل والتي أدت إلى احتجاجات ووقفات متعددة في ربوع المملكة، والتي تطورت في بعض الأحيان إلى مواجهة دامية، أتوجه إلكم كأمير للمؤمنين لأذكركم بخطبة أبي بكر عندما ولي الخلافة والتي قال فيها: ” أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، والضَّعيف فيكم قَوِيٌّ عندي حتى أرجِّع عَلَيْهِ حقَّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضعيف عندي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ “.
كما أذكركم بموقف والدكم، الذي اتخذه في نازلة مماثلة، حيث أجاز قبل 30 سنة للناس الحق في معارضة أئمة المساجد والخروج عليهم وإعادة صلاتهم، على اعتبار أن الصلاة وراء أولئك الأئمة غير جائزة.
جاء ذلك في خطاب وجهه إلى الملتقى العالمي الأول لخطباء الجمعة بالمغرب، اعاد نشره موقع لكم 2، عندما خاطبهم أثناء استقباله لهم في 27 مارس: 1987 “يجب عليه اي الخطيب أن يكون نزيها مترفعا كل الترفع عن السياسة المحترفة، وذلك لأن الخطيب عندما يكون فوق المنبر لا معارض له(من لغا فلا جمعة له) …يجب على الخطيب أن يكون في خطبته غير متحيز لجانب دون آخر وغير مثير لمشكلة حزبية أو مشكلة طائفية أو لمشكلة اختيار جماعة قروية اختيارا جبائيا مثلا دون آخر، وإلا فاللعبة لن تبقى جارية، والقواعد تكون قد انتهكت، ويصير الخطيب ديكتاتوريا لا معارضة له” .
وقال أيضا”: فقد وقع مرارا في مساجدنا قديما وحديثا وأخيرا في مساجد الدول الإسلامية أن بعض الناس عندما سمعوا من بعض الخطباء كلاما أغضبهم أو لم يشف غليلهم أو ظهر لهم كأنه متحيز منقول عن صحيفة أو مذهبية أو إيديولوجية خرجوا وهم يقولون اللهم إن هذا منكر، ومنهم من أعاد صلاته” .
أما وزيركم في الشؤون الإسلامية، فقد أبان عن سوء نيته وعن عدم نزاهته الفكرية حيث أنه نسي أو تناسى ما أتى به ظهيركم الشريف والذي نص على منع الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية من ممارسة أي نشاط سياسي … واتخاذ أي موقف سياسي أو نقابي في خطبهم.
لقد وقف وزيركم عند ويل للمصلين.
وهكذا يتجلى أن الزفزافي لم يرتكب أي جنحة أو جريمة وأنه اكتفى بممارسة حقه في التعبير عن رأيه، وأن الخطيب، ومن أعاز له، هو الذي ضرب عرض الحائط ظهيركم الشريف المتعلق بمسؤوليات الأئمة.
باب ما جاء في انتقاداتكم
إذا رجعنا إلى خطاباتكم وجدنها مكتظة بانتقادات لاذعة وعميقة وجريئة على ما آلت إليه البلاد من فساد وتعفن وإساءة للمواطنين. وهكذا فضحتم وأدنتم :
ما آل إليه التعليم من انحرافات وما تشوبه من مساوي وهفوات .
ما آل إليه قطاع الصحة من ضياع وعدم تلبية متطلبات المواطنين.
ما آل إليه القضاء الذي عشعش فيه الظلم والتعفن والرشوة.
كما أنكم قرعتم الأحزاب وقلتم أن ما يهمها هو التهافت على المناصب وكان لكم كل الحق في ذلك. وهكذا صرحتم في خطاب العرش: “أقول للجميع أغلبية ومعارضة كفى من الركوب على الوطن لتصفية حسابات شخصية أو تحقيق أغراض حزبية ظرفية”.
كما تساءلتم عن ما آلت إليه الثروة في المغرب وقلتم: “أتساءل باستغراب مع المغاربة أين هذه الثروة وهل استفادة منها جميع المغاربة أم أنها همت بعض الفئات فقط” ، وأضفتم: “إنني ألاحظ خلال جولاتي التفقدية مظاهر الفقر والهشاشة وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة” .
وإذا عدنا إلى خطابات مواقف ومطالب الحركات الاحتجاجية والانتفاضات التي عرفها المغرب منذ 2005 و حركة 20 فبراير وكذا حراك الريف، فلا نجد أي فرق بين ما تقولون وما يطالبون به المحتجون.
والسؤال إذن، لماذا تقمع اليوم هذه الحركات؟
إن المنطق يقول أن الذين يقومون بقمع حراك الريف وباقي الاحتجاجات عليهم أن يقمعوا الملك لأن ما فاه به قد يكون في بعض الأحيان أشد وأعمق مما يقوله المحتجون.
أهل نحن أمام ما يقول المثل المغربي ” ما قال الفقيه حلال وما قاله المحضري حرام”؟ .
باب ما جاء في البلادة والسذاجة السياسية
إن الذين خططوا لهذه الحَرْكَة يعتقدون أنه باعتقال الزفزافي ورفاقه وباستنطاق وترهيب نوال بنعيسي ورفيقاتها سيوقفون الحراك والاحتجاجات والمطالب التي ينادي بها غالبية الشعب المغربي.
إذا كان الأمر كذلك، فهذه هي البلادة بعينها وقصر النظر بعينه وعدم الحنكة والتجربة السياسية بعينها، لأن الزفزافي و نوال أصبحوا يجسدون فكرا ويعبرون عن رزمة من المطالب الاجتماعية والحقوقية والاقتصادية والثقافية.
كما أنهم يجسدون الانتفاضة ضد الحكرة التي أدت إلى استشهاد مي فتيحة ومحسن فكري وربان الداخلة وآخرون
إن هذه المطالب هي مطالب ملايين المغاربة في كل ربوع المملكة.
إن الاعتقاد أن سجن أو قتل الرسول يؤدي إلى قتل الرسالة، اعتقاد خاطئ. فالعكس هو الصحيح، إذ أنك إن سجنت او قتلت الرسول أعطيت الرسالة مصداقية أكبر وانتشارا أوسع وبرهنت على أنك تهاب وتخاف من مضمون هذه الرسالة.
إن الذين يدعون أن بوسعهم إيقاف الحراك بسجن الزفزافي و ترهيب نوال مخطئون.
إن هؤلاء الشباب على حق، ولو لم يكونوا على حق لما التف حولهم عشرات الآلاف من المواطنين والمواطنات ولما نظمت عشرات الوقفات في جميع أنحاء المملكة.
وكما قالت نوال بن عيسي”: أتعلمون من خليفة ناصر الزفزافي، إنها الجماهير السلمية وليس شخص آخر”.
إن القمع الذي يطبع هذه الحَرْكَة سيولد مئات من الزفازفة وفي جميع ربوع المملكة.
إن مخططي ومنفذي هذه الحَرْكَة المشئومة نسوا أن الشعوب لم تكن يوما مصابة بالعقم وأنها قادرة على إنجاب أجيال من الأبطال والزعماء.
ومن بلادة مخططي هذه الحَرْكَة كذلك انهم لم يتركوا “خط الرجعة ” و” لا منين يدوز الما” حاكمين علي أنفسهم بتصعيد مستمر قد يؤدي إلا ما لا يحمد عقباه.
إن هذه الحَرْكَة المشئومة تعرض الملكية إلى أخطار جمة جاعلة إياها في مهب الرياح.
إن حراك الريف هو وليد تراكمات ونتاج للسياسات الفاشلة وغير الشعبية التي اتبعت منذ الاستقلال.
إنها وقبل كل شيء وليدة عدم وجود ديمقراطية حقيقية.
وعكس ما يطبل له العديد فإن المغرب لم يعرف يوما تعددية حزبية حقيقية، لم يعرف ديمقراطية حقة تربط المسائلة بالمسؤولية ديمقراطية لا تعرف الإفلات من العقاب.دمقراطية يكون شعارها”حرية، كرامة، مساواة، عدالة اجتماعية”.
إن المغرب حكم منذ أكثر من نصف قرن بالحزب الوحيد. وهذا الحزب هو المخزن بجميع مكوناته: الاقتصادي و السياسي والثقافي و الديني .
ولذا وصلت أحزاب عدة إلى الحكومة ولكنها لم تصل يوما إلى الحكم.
إن هذا الحراك يندرج في سياق انتفاضة 20 فبراير التي اعتقد مسؤولو الحَرْكَة الحالية أنهم أجهضوها بحلول ترقيعية. إن هذا الحراك هو كذلك وريث الانتفاضات التي عرفتها المملكة: الريف 1958 و 1984 ، والدار البيضاء 1965 و 1981 ، وفاس 1990، وصفرو 2007، وافني 2008 … انتفاضات ذهب ضحيتها الاف الشهداء.
لنتذكر ايضا أنه بتاريخ 11 نونبر 1958، قام محمد الحاج سلام أمزيان من حزب الشورى والاستقلال برفقة عضويْن آخرين من قبيلة بني ورياغل، وهما عبد الصادق الخطابي ورشيد بن عبد الكريم الخطابي، بصياغة وتقديم برنامج من ثمانية عشر نقطة من أجل الريف، يتضمن مطالب أهل المنطقة من إجلاء القوات الأجنبية إلى عودة عبد الكريم إلى الريف، مرورا بخلق مناصب الشغل وتخفيض الضرائب والحصول على التمثيل السياسي، ولكن هذه المطالب ذهبت أدراج الرياح بل تمت مواجهة سكان الريف بالحديد والنار.
إن هذا الحراك وهذه الانتفاضات التي يعرفها “أجمل بلد في العالم” أبانت من خلال القمع الممارس عليها أن دار لقمان على حالها وأنه ” إلا تغيرات قبطة منجل، المنجل كيبقى منجل.”
إننا اليوم نعيش أياما جديدة من الجمر ومازلنا سجناء في سراح مؤقت كما كنا في سنوات الرصاص.
إن هذا الحراك الذي تبناه الشعب أبان على روح المسؤولية العالية للمواطنين وانضباطهم وتشبثهم بالوسائل السلمية .
لقد قال يوما الحسن الثاني”:إذا رأى حاكم ثورة تلوح في الأفق وأنها آتية لا ريب فيها لزم عليه تبنيها وإلا فإنه سيكون هو ضحيتها الأول”.