الاثنين، 30 يناير 2017

كيف تتجسس السلطة على المكالمات والمراسلات؟

- اعداد: هشام خريبشي : مؤسس جمعية الحقوق الرقمية في المغرب .



وراء الحملات التي تشنها بعض الصحف الورقية والرقمية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، كثيرا ما توجد معلومات صحيحة أو غير صحيحة مستقاة من التنصت غير المشروع على المكالمات الهاتفية والرسائل الالكترونية .  كيف ذلك؟ 
في عام 2011، كشفت الوثائق (بما في ذلك الفواتير) المنشورة في الصحافة المتخصصة أن "الحكومة المغربية" صرفت  2 مليون يورو لاقتناء برنامج معلوماتي لمراقبة المواصلات يسمى النسر Eagle. ويسمح هذا البرنامج الذي صممته الشركة الفرنسية  بول أميسيس Bull Amesys، بمراقبة جميع المواصلات التي تمر عبر الانترنيت باستخدام تقنية تسمى "deep packet inspection ". وهي تقنية تستطيع القيام بمراقبة شاملة للاتصالات على مستوى البلد أكمله. كما أنه يتيح قراءة محتويات الرسائل، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني. هذا النظام طورته الشركة بناء على طلب من الراحل معمر القذافي ليستعمله في قمع الانتفاضة الشعبية في بلاده عام 2011.
في شهر يناير 2015،  كشف صحافيون من سويسرا أن المغرب من بين البلدان التي اشترت تكنولوجيات  متقدمة للمراقبة  والتجسس،  حيث بدأ خلال عامي 2013 و2014 في تجريب معدات للتنصت على الاتصالات التي تستعمل الهواتف النقالة.
في نفس العام، كشفت وثائق موقع ويكيليكس أن اثنين على الأقل من أجهزة المخابرات المغربية-المجلس الأعلى للدفاع الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني قد اشتريا من الشركة الإيطالية  Hacking team ، عن طريق شركة أخرى مقرها في الإمارات العربية المتحدة ، اسمها    Al Fahad Smart Systems "، برنامجا  للمراقبة إلكترونية يسمى " Remote Control System ".
ويتيح هذا البرنامج عن طريق  فيروس إلكتروني يقتحم البريد الإلكتروني  أن يصيب في صمت جهاز كمبيوتر الشخص المستهدف ويبدأ بتسجيل تاريخ  كل ما يقوم به بما في ذلك الضغطات على مفاتيح الحروف ولائحة المواقع  ومحركات البحث التي تمت زيارتها أو استخدامها  كما يستطيع الفيروس تشغيل الميكروفون والكاميرا على جهاز الكمبيوتر دون أن يشعر صاحبه بذلك، ثم يرسل الفيروس جتقريرا مفصلا بانتظام عن أنشطة الكمبيوتر إلى الجهة التي أرسلته للتجسس.
وحسب الوثائق التي نشرتها ويكيليكس فإن المغرب، منذ 2009، صرف أكثر من ثلاثة مليون يورو لشراء معدات الرصد والمراقبة الإلكترونية التي صممتها شركة " Hacking Team " ولكن لا نعرف إذا   ما كان المغرب قد جدد العقود مع الشركة منذ ذلك الحين.
إذا كنتم تعتقدون أن هذه التقنيات تُستخدم فقط ضد الإرهابيين والمجرمين فأنتم على خطئ، فنظراً لغياب الرقابة الديمقراطية، فإن الشطط في استعمال السلطة يظل هو القاعدة المعمول بها في هذا المجال
والدليل على ذلك أنه في عام 2012، قامت مجموعة البحوث في مختبر المواطن في جامعة تورنتو الكندية بالبرهنة بالأدلة على أن "الحكومة المغربية" قد استخدمت برنامج التجسس "Hacking team" ليس لاختراق حسابات الإرهابيين بل لاختراق مراسلات صحافيين في الموقع المغربي التابع لمجموعة " مامفاكينش"، وهو ما تأكد في وقت لاحق بعد نشر ويكيليكس لسلسلة من المراسلات الداخلية لل
في عام 2015، ورد في تقرير أصدرته الجمعية البريطانية " International Privacy "مع الجمعية المغربية للحقوق الرقمية (التي لا زالت محظورة في المغرب) شهادات لعدد من ضحايا التجسس الإلكتروني في المغرب، منهم أكاديميون وصحافيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان ومثقفون من جميع المشارب. ولا شيء في مسار هؤلاء الضحايا يمكن أن يبرر مراقبة مكالماتهم ومراسلاتهم، بلما يميزهم هي آرائهم السياسية وتعاطفهم مع حركة 20 فبراير الاحتجاجية.
في أي بلد ديمقراطي كان المفروض أن يدفع نشر هذا التقرير ألى إجراء تحقيق لتحديد هوية مرتكبي إساءة استعمال السلطة. وبما أن الأمر حصل في المغرب فقد كان رد فعل الحكومة على العكس تماما: قررت وزارة الداخلية فتح تحقيق جنائي ضد... كاتبي التقرير لكونه تضمن "إهانة للمؤسسات" ونشر "اتهامات كاذبة".
في أكتوبر عام 2015، مثل سبعة من نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين، منهم المؤرخ والأستاذ الجامعي المعطي منجيب، وهشام منصوري وعبد الصمد عياش وهما يزاولان صحافة التحقيق، فضلا عن كاتب هذه السطور أمام المحكمة الابتدائية في الرباط، بتهمة تهديد "الأمن الداخلي للدولة" وهي تهمة يمكن أن تكلف صاحبها السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.
لقد اعتبرت العديد من المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان أن التهمة سياسية خاصة وأن المتهمين كانوا منهمكين في تنظيم برنامج تدريبي لفائدة الصحافيين والفاعلين في المجتمع المدني حول تقنيات حماية سرية اتصالاتهم.
كيف يجب التصرف مع هذه الانتهاكات؟
لقد عرف المغرب تقدما تشريعيا حقيقا في ميدان حماية الخصوصية الفردية ولكن لا زلنا في انتظار أن تفعيل هذا التقدم التشريعي الذي من شأنه وضع بلدنا في طليعة البلدان التي لا تقبل إساءة استخدام المراقبة الإلكترونية الجماعية.
إن الحماية القانونية لسرية المواصلات في المغرب يكفلها الدستور، ولا سيما الفصل 24، كما يكفلها القانون وعلى وجه الخصوص قانون المسطرة الجنائية والقانون 09-08 المتعلق بحماية الأفراد فيما يتصل بمعالجة المعلومات الشخصية. 
يمكن انتهاك الخصوصية في حالات استثنائية كجزء من التحقيقات الجنائية عندما يتم إصدار أمر قضائي من قاضي التحقيق أو النيابة العامة. وعلى الرغم من أن قانون المسطرة الجنائية يحدد شروط محددة لإصدار أوامر في هذا المجال، لا زالت هناك مناطق رمادية كبيرة فيما يتعلق بالسلطات التقديرية الممنوحة للقضاة ولأجهزة المخابرات المغربية.
في الممارسة العملية، تعتبر وزارة الداخلية ووزارة العدل، فضلا عن المؤسسة العسكرية، المؤسسات المسؤولة عن تفعيل عمليات المراقبة والتجسس، ولكن نظراً لغياب استقلال فعلي للسلطة القضائية، بالإضافة لهيمنة القصر الملكي في معظم الحالات ذات الصلة بما يسمى "أمن الدولة" والاتهامات بالإرهاب، فإن الرقابة الديمقراطية  تظل غائبة عن جل هذه العمليات.
مع إنشاء اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعلومات الشخصية في عام 2009، أصبح هناك إطار لحماية البيانات الشخصية. ذلك أن مهمة اللجنة هو "أن تضمن أن معالجة البيانات الشخصية تتم في أطار الشرعية ولا تؤثر على الخصوصيات والحريات الأساسية وحقوق الإنسان" للمواطنين.
لكن سلطة هذه اللجنة ما زالت في الواقع محدودة جداً: فهي لا دخل لها في معالجة البيانات ذات الصلة بموضوع "أمن الدولة" أو الدفاع أو الجرائم الجنائية التي تقوم السلطة بتأويلها حسب هواها ورغبتها.
وكما أشار ت منظمة "الخصوصية الدولية Privacy International  "في تقريرها عن حماية الخصوصية في المغرب الصادر عام 2016، فإن اللغة الغامضة المستعملة في القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب غالباً ما تستخدم لتبرير التجسس غير اللازم على المعارضين السياسيين والصحافيين المستقلين. إن تفسير القانون يستند إلى حد كبير على السلطة التقديرية للقضاة، وهم تابعون للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل  في كل ما يتعلق بحياتهم المهنية.
ومن المفارقات أن أولئك الذين لديهم القدرة على مراقبتنا التجسس علينا يتوقعون منا أن نلتزم بالشفافية لأنه، كما يزعمون، إذا لم يكن لدينا شيء نخفيه ليس لدينا مبرر للخشية-وهومبدأ يبدو أنهم لا يطبقونه على أنفسهم.
يجب أن نطالب بمزيد من الشفافية من جانب أولئك الذين لديهم القدرة على مراقبتنا، لا سيما  الأجهزة الأمنية التي يجب أن تخضع للمساءلة أمام البرلمان، وعلى نطاق أوسع  أمام عموم الجمهور. هي أجهزة ليس  لها موقع معروف على شبكة الإنترنت ومسؤولوها لا يمثلون أبدا أمام البرلمان أو الصحافة ومن ثم فهي مؤسسات لا تشعر بواجب التواصل مع الجمهور الذي يدفع من جيبه ميزانياتها.
وعلاوة على ذلك، يجب وقف الترهيب ضد الصافيين والمثقفين والناشطين لكي تستطيع الصحافة والمجتمع المدني المغربي لعب دورهما في هذا المجال.
- نص مداخلة إغناسيو صامبريرو في الندوة الدولية حول "الصحافة بين الإخبار والتشهير" التي نظمتها "الجمعية المغربية لحقوق الانسان" و"العصبة المغربية لحقوق الانسان" في الرباط يوم 25 يناير 2017.
- ترجمة: أحمد ابن الصديق

وأخيرا دخل الجاسوس القصر؟؟...! حينما اتهم صحفي اسباني بالتجسس على المغرب.



إغناسيو صامبريرو صحفي إسباني :

نقلا عن موقع لكم2 المغربي : lakome2


بعد ظهر يوم 23 أكتوبر 2002،ً كنت جالسا في بهو فندق في وسط مدينة سبتة وأنا آنذاك أشتغل مع جريدة "الباييس" حيث كنت مكلفا بتغطية أحداث  المنطقة المغاربية،  وكانت جالسة بقربي زوجة مولاي زين الزاهيدي، الرئيس السابق للبنك  المغربي "القرض العقاري والسياحي" الذي كان قد اختفى منذ أيام ومعه وثائق ومستندات خطيرة، وهي مرأة برتغالية الجنسية،  ومعنا عبد الإله عيسو، عسكري برتبة ملازم في الجيش المغربي، هرب مؤخرا من الجيش، ويرافقنا الصحافي بيدرو كاناليس، مراسل جريدة "لاراسون" الإسبانية في المغرب، حسب الرواية المغربية الرسمية كنا نحن الصحافيان نلعب دور حلقة الوصل بين عيسو و"المركز الوطني الإسباني للمخابرات"، هذا الجهاز كان يشرف حسب نفس الرواية آنذاك على الاجتماع الذي كان على وشك الانعقاد في سبتة. كنا جميعا ننتظر وصول الصحافييْن المغربييْن علي عمّار ومعاذ غاندي، من الأسبوعية المستقلة الصادرة في الدار البيضاء "لوجورنال". كانت "المديرية العامة المغربية لمراقبة التراب الوطني"، أي جهاز البوليس السري، قد اعترضت سبيلهما في النقطة الحدودية "باب سبتة". من ناحية أخرى لم يستطع الوصول لنفس المكان صحافيان آخران مدعوان لذلك اللقاء، الأول هو جان بيير توكوا من جريدة "لوموند"، وهو مؤلف كتاب مثير للجدل عن الملك محمد السادس: "الملك الأخير"، والثاني هو جان كلود جوفينال، رئيس مكتب "وكالة الأنباء الفرنسية" في الرباط الذي طردته السلطات المغربية مؤخرا من البلاد، وكانا يتابعان بدقة ولو عن بُعد وقائع اللقاء في الفندق. هذا اللقاء لم يكن إلا الحلقة الأخيرة مما يُسمى "المؤامرة " الافتراضية التي كانت تُحاك ضد المغرب.
  على مدى ثلاثة أيام على التوالي بداية من 31 أكتوبر 2002، نشرت الجريدة المغربية "أوجوردوي لوماروك" الناطقة بالفرنسية، تغطية موسعة لموضوع اختارت له هذا العنوان على صفحتها الأولى" العمل القذر الذي تقوم به المخابرات الإسبانية في المغرب" حيث سردت حكاية "المؤامرة التي تحاك منذ أسبوع انطلاقا من مدينة سبتة، من طرف إسبانيا بمساعدة شرذمة قليلة من المغاربة من أجل زعزعة استقرار جارها الجنوبي، المغرب" لقد خصصت الجريدة لهذا الموضوع تسع صفحات لم تكن كلها من نتاج مخيلة مديرها آنذاك، خليل الهاشمي الإدريسي، ولكنه سرد ما سمع من ثلاثة مسؤولين مغاربة كبار، عندما لقيهم برفقة سبعة  مدراء تحرير آخرين يشتغلون في منابر صحفية أخرى في المملكة.
ثلاثة أيام قبل أن يبدأ الإدريسي في نشر سلسلته المشوقة جدا عن "المؤامرة" يوم 28 أكتوبر 2002، نظم "الوزير المنتدب في الشؤون الخارجية" الطيب الفاسي الفهري، حفل عشاء في الفيلا التي يقطنها في حي السويسي بالرباط، دعا له هؤلاء المسؤولين الثمانية في الصحافة اليومية والأسبوعية الناطقة بالفرنسية في المغرب، وحضر اللقاء أيضا كل من فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية آنذاك، ورشدي شرايبي، مدير الديوان الملكي، وهما من المقربين جدا من الملك محمد السادس وكانا من زملائه أيام الدراسة في المعهد المولوي في القصر الملكي. عن هذا اللقاء يتحدث أحد الضيوف المدعوين قائلا: "لقد حاولوا خلال مدة ساعتين أن يقنعونا أن هناك مؤامرة بين المخابرات الإسبانية والصحافة الإسبانية وبعض وسائل الإعلام المغربية"، أما جريدة "لوماتان" فقد تحدثت بدورها عن "المؤامرة" المزعومة، لكن بدون ذكر الأسماء كما فعل خليل الإدريسي، بينما فضلت جريدة "الإيكونومست" تجاهل الموضوع رغم أنها كانت ممثلة في مأدبة العشاء في فيلا السويسي ...
في الحقيقة لم توجد هذه "المؤامرة" إلا في مخيال من نسجوا الحكاية، ولم أكن أعرف من قبل السيدة البرتغالية زوجة المصرفي الهارب ولا الضابط عيسو في ذلك الوقت، ولم ألعب يوما حلقة الاتصال مع مكتب المخابرات الإسباني. ولم أكن حاضرا ذلك اليوم في مدينة سبتة بل كنت حتى وقت متأخر من الصباح برفقة مدير جريدتي، خيسوس سيبيريو، في مقر الصحيفة في مدريد.  إن مهنتي الوحيدة هي الصحافة.
لقد لخصت الأسبوعية المستقلة "لوجورنال" ما قيل ذلك المساء خلال العشاء عند الوزير المنتدب في الخارجية بهذا العنوان: "رجال مقربون من السلطات العليا في الدولة يخترعون نظريات مجنونة تحت ذريعة الدفاع عن النظام الملكي". أما الصحافي  الحسين مجدوبي فقد كتب في الجريدة الأسبوعية "لا فيريتي" ليتساءل ما الذي يدفع اثنين من  الوزراء  المنتدبين إلى التهجم على صحيفة "الباييس"، "التي لم تتردد في انتقاد خوسيه ماريا أثنار، رئيس الحكومة الإسبانية، حول سياسته تجاه المغرب.
توظيف الأجهزة الاستخباراتية الإسبانية للصحافيين الذين يغطون أخبار المغرب لا يعني بالضرورة أن هؤلاء الصحافيين عملاء لتلك الأجهزة لأنها يمكنها استغلال خدماتهم دون موافقة ولا وعي منهم
بحكم عملي كمراسل كنت قد اعتدت أن أجد في بعض وسائل الإعلام المغربي تصريحات غريبة ومدهشة عن عملي، من قبيل ما نشرته  في أكتوبر 2001 أسبوعية "الحياة الاقتصادية" أو "لافي إيكونوميك: "رئيس الفريق الصحافي التابع لماريا أثنار هو إغناسيو سانبريرو [كذا]، صحافي من "الباييس" لا يفوت فرصة للإساءة إلى المغرب ومؤسساته" ، وهذا يعني أن المرء يمكنه في إسبانيا أن يشتغل لحساب الحكومة اليمينية ويمارس الصحافة في وسائل الإعلام القريبة من الاشتراكيين.
أما "أوجوردوي لوماروك" فقد ذهبت أبعد من ذلك في اتهاماتها. ثلاثة أيام على التوالي انهال عليّ مديرها واثنان من مساعديه هما عمر الذهبي وعبد الله شانكو، بأوصاف المتآمر والجاسوس. كان رد فعلي الأولى أن طالبت منهم أن ينشروا رسالة رد من عندي فرفضوا، متجاهلين أن حق الرد مكفول في التشريع المغربي. بعد تفكير طويل ومشاورة مع إدارة صحيفتي، تقدمت بشكوى للقضاء عن التشهير ضد الثلاثة. ومن أجل ذلك توجهت إلى الأستاذ عبد الرحيم برادة، المحامي الشهير الذي دافع في سنوات السبعينيات من القرن الماضي عن أبراهام السرفاتي، وهو من أشهر المعارضين السياسيين للملك الراحل الحسن الثاني. وكانت هذه مبادرة غير مألوفة من جانب صحافي أجنبي ولاقت صدى واسعاً في الصحافة المغربية، بما في ذلك التلفزيون.
لقد ربحت الجولة الأولى عندما حكمت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء أنفا  في شهر مايو 2003، على الإدريسي وزميليه أن يدفعوا لي تعويضا قدره 10.000 درهم (950 يورو)، وبدفع غرامة بنفس المبلغ للدولة المغربية، ونشر حكم الإدانة في اثنين من وسائل الإعلام. تقدم الثلاثة بطلب استئناف الحكم وربحوا في هذه الجولة في أبريل 2004، وهو ما قد حذرني منه العديد من الأصدقاء المغاربة.
لقد انهزمتُ أخيرا في هذه المعركة القضائية على الرغم من أن مدير "أوجوردوي لوماروك" أدان نفسه بنفسه عندما خاطب رئيس المحكمة مصطفى فارس قائلا: "جاسوس؟ هذه الكلمة ليست إهانة أو قذفا، إن السيد صامبريرو صحافي وهو في خدمة بلاده". معنى هذا أنه وفقا للإدريسي، مهنة الصحافة تتوافق مع ممارسة الجاسوسية". هذه الكلمات صدمة لأي صحافي يحترم نفسه. أنا أعتبر نفسي في خدمة القراء وخدمة صحيفتي، ولكن لست في خدمة حكومات بلادي، أيا كانت توجهاتها، وأنا كثيرا ما انتقد السياسة الخارجية الإسبانية بما في ذلك إزاء المغرب.
إن الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف يستحق التأمل. نص الحكم يقول "إن توظيف الأجهزة الاستخباراتية الإسبانية للصحافيين الذين يغطون أخبار المغرب لا يعني بالضرورة أن هؤلاء الصحافيين عملاء لتلك الأجهزة لأنها يمكنها استغلال خدماتهم دون موافقة ولا وعي منهم ومن ثم فإن أولئك الذين يدينون هذا التواطؤ بين المخابرات والصحافة، مثلما فعلت أوجوردوي لوماروك، لا يسعون للإساءة بالضرورة للصحافيين الإسبان"،
لقد كان باستطاعة المحكمة أن تضيف بسهولة أن مراسلي وسائل الإعلام الإسبانية حمقى وأغبياء ويمكن التلاعب بهم بسهولة من طرف المخابرات.
ثم أضاف الحكم: "إن المقالات التي يكتبها السيد صامبريرو تسيئ للمغرب ولسمعته وتسبب ضررا للروح المعنوية لمؤسساته. ومن هنا فالرد عليها كما فعلت "أوجوردوي لوماروك"، لا يمكن اعتباره تشهيرا أو قذفا" وهذا لا سيما وأن "الدستور المغربي يضمن حرية الرأي والتعبير". المدهش هو أن السيد فارس رئيس الجلسة وزملاؤه القضاة لم يكتفوا بتبرئة السيد الإدريسي وفريقه بل اتهموني بمهاجمة المؤسسات المغربية، وهي جنحة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي. وعلى الرغم من ذلك فإن وكيل الملك الذي كان حاضرا في قاعة المحكمة لم يقرر متابعتي.
خلال الأشهر التي تلت هذه المحاكمة لم تتردد صحيفة "أوجوردوي لوماروك" أن تكتب   من حين لآخر  "إن عمل السيد صامبريرو لا يقتصر على الصحافة".
ماذا كان تعليق أبوبكر الجامعي مدير جريدة "لوجورنال"؟ لقد كتب في إحدى الافتتاحيات: "لو أن المحكمة أنصفت السيد صامبريرو لكانت الرسالة هي أن العدالة تعاقب سخافات كبار المسؤولين في الدولة"، في إشارة إلى مأدبة العشاء التي استضافها الطيب الفاسي الفهري.
في السنوات التي تلت شكواي من أجل التشهير، عين الملك السيد الإدريسي في عام 2011 مديرا لوكالة الأنباء المغربية الرسمية. أما عمر الذهبي، فقد أصبح رئيسا للتحرير في مجموعة "لوماتان"، ثم أصبح في نهاية عام 2016 رئيسا لتحرير القناة التلفزيونية ميدي1 تيفي، أما الوزيران المنتدبان اللذان أطلعاه في عام 2002 على حكاية المؤامرة فقد أصبح كل واحد منهما مستشارا للملك محمد السادس.
أما أنا، فقد أستطعت إجراء حوار صحفي مع الملك محمد السادس سنة 2005 لصالح جريدتي "البايس"٠
وأخيرا، دخل "الجاسوس" القصر!
- نص مداخلة إغناسيو صامبريرو في الندوة الدولية حول "الصحافة بين الإخبار والتشهير" التي نظمتها "الجمعية المغربية لحقوق الانسان" و"العصبة المغربية لحقوق الانسان" في الرباط يوم 25 يناير 2017.
- ترجمة: أحمد ابن الصديق


نيويورك تايمز تفضح منصور بن زايد: منسق نشر الفوضى والحروب الأهلية

  فضائح الإمارات في   يونيو 30, 2025 نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا مطولا عن نائب رئيس دولة الإمارات منصور بن زايد آل نهيان، ووصف...