Translate

الاثنين، 30 يناير 2017

وأخيرا دخل الجاسوس القصر؟؟...! حينما اتهم صحفي اسباني بالتجسس على المغرب.



إغناسيو صامبريرو صحفي إسباني :

نقلا عن موقع لكم2 المغربي : lakome2


بعد ظهر يوم 23 أكتوبر 2002،ً كنت جالسا في بهو فندق في وسط مدينة سبتة وأنا آنذاك أشتغل مع جريدة "الباييس" حيث كنت مكلفا بتغطية أحداث  المنطقة المغاربية،  وكانت جالسة بقربي زوجة مولاي زين الزاهيدي، الرئيس السابق للبنك  المغربي "القرض العقاري والسياحي" الذي كان قد اختفى منذ أيام ومعه وثائق ومستندات خطيرة، وهي مرأة برتغالية الجنسية،  ومعنا عبد الإله عيسو، عسكري برتبة ملازم في الجيش المغربي، هرب مؤخرا من الجيش، ويرافقنا الصحافي بيدرو كاناليس، مراسل جريدة "لاراسون" الإسبانية في المغرب، حسب الرواية المغربية الرسمية كنا نحن الصحافيان نلعب دور حلقة الوصل بين عيسو و"المركز الوطني الإسباني للمخابرات"، هذا الجهاز كان يشرف حسب نفس الرواية آنذاك على الاجتماع الذي كان على وشك الانعقاد في سبتة. كنا جميعا ننتظر وصول الصحافييْن المغربييْن علي عمّار ومعاذ غاندي، من الأسبوعية المستقلة الصادرة في الدار البيضاء "لوجورنال". كانت "المديرية العامة المغربية لمراقبة التراب الوطني"، أي جهاز البوليس السري، قد اعترضت سبيلهما في النقطة الحدودية "باب سبتة". من ناحية أخرى لم يستطع الوصول لنفس المكان صحافيان آخران مدعوان لذلك اللقاء، الأول هو جان بيير توكوا من جريدة "لوموند"، وهو مؤلف كتاب مثير للجدل عن الملك محمد السادس: "الملك الأخير"، والثاني هو جان كلود جوفينال، رئيس مكتب "وكالة الأنباء الفرنسية" في الرباط الذي طردته السلطات المغربية مؤخرا من البلاد، وكانا يتابعان بدقة ولو عن بُعد وقائع اللقاء في الفندق. هذا اللقاء لم يكن إلا الحلقة الأخيرة مما يُسمى "المؤامرة " الافتراضية التي كانت تُحاك ضد المغرب.
  على مدى ثلاثة أيام على التوالي بداية من 31 أكتوبر 2002، نشرت الجريدة المغربية "أوجوردوي لوماروك" الناطقة بالفرنسية، تغطية موسعة لموضوع اختارت له هذا العنوان على صفحتها الأولى" العمل القذر الذي تقوم به المخابرات الإسبانية في المغرب" حيث سردت حكاية "المؤامرة التي تحاك منذ أسبوع انطلاقا من مدينة سبتة، من طرف إسبانيا بمساعدة شرذمة قليلة من المغاربة من أجل زعزعة استقرار جارها الجنوبي، المغرب" لقد خصصت الجريدة لهذا الموضوع تسع صفحات لم تكن كلها من نتاج مخيلة مديرها آنذاك، خليل الهاشمي الإدريسي، ولكنه سرد ما سمع من ثلاثة مسؤولين مغاربة كبار، عندما لقيهم برفقة سبعة  مدراء تحرير آخرين يشتغلون في منابر صحفية أخرى في المملكة.
ثلاثة أيام قبل أن يبدأ الإدريسي في نشر سلسلته المشوقة جدا عن "المؤامرة" يوم 28 أكتوبر 2002، نظم "الوزير المنتدب في الشؤون الخارجية" الطيب الفاسي الفهري، حفل عشاء في الفيلا التي يقطنها في حي السويسي بالرباط، دعا له هؤلاء المسؤولين الثمانية في الصحافة اليومية والأسبوعية الناطقة بالفرنسية في المغرب، وحضر اللقاء أيضا كل من فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية آنذاك، ورشدي شرايبي، مدير الديوان الملكي، وهما من المقربين جدا من الملك محمد السادس وكانا من زملائه أيام الدراسة في المعهد المولوي في القصر الملكي. عن هذا اللقاء يتحدث أحد الضيوف المدعوين قائلا: "لقد حاولوا خلال مدة ساعتين أن يقنعونا أن هناك مؤامرة بين المخابرات الإسبانية والصحافة الإسبانية وبعض وسائل الإعلام المغربية"، أما جريدة "لوماتان" فقد تحدثت بدورها عن "المؤامرة" المزعومة، لكن بدون ذكر الأسماء كما فعل خليل الإدريسي، بينما فضلت جريدة "الإيكونومست" تجاهل الموضوع رغم أنها كانت ممثلة في مأدبة العشاء في فيلا السويسي ...
في الحقيقة لم توجد هذه "المؤامرة" إلا في مخيال من نسجوا الحكاية، ولم أكن أعرف من قبل السيدة البرتغالية زوجة المصرفي الهارب ولا الضابط عيسو في ذلك الوقت، ولم ألعب يوما حلقة الاتصال مع مكتب المخابرات الإسباني. ولم أكن حاضرا ذلك اليوم في مدينة سبتة بل كنت حتى وقت متأخر من الصباح برفقة مدير جريدتي، خيسوس سيبيريو، في مقر الصحيفة في مدريد.  إن مهنتي الوحيدة هي الصحافة.
لقد لخصت الأسبوعية المستقلة "لوجورنال" ما قيل ذلك المساء خلال العشاء عند الوزير المنتدب في الخارجية بهذا العنوان: "رجال مقربون من السلطات العليا في الدولة يخترعون نظريات مجنونة تحت ذريعة الدفاع عن النظام الملكي". أما الصحافي  الحسين مجدوبي فقد كتب في الجريدة الأسبوعية "لا فيريتي" ليتساءل ما الذي يدفع اثنين من  الوزراء  المنتدبين إلى التهجم على صحيفة "الباييس"، "التي لم تتردد في انتقاد خوسيه ماريا أثنار، رئيس الحكومة الإسبانية، حول سياسته تجاه المغرب.
توظيف الأجهزة الاستخباراتية الإسبانية للصحافيين الذين يغطون أخبار المغرب لا يعني بالضرورة أن هؤلاء الصحافيين عملاء لتلك الأجهزة لأنها يمكنها استغلال خدماتهم دون موافقة ولا وعي منهم
بحكم عملي كمراسل كنت قد اعتدت أن أجد في بعض وسائل الإعلام المغربي تصريحات غريبة ومدهشة عن عملي، من قبيل ما نشرته  في أكتوبر 2001 أسبوعية "الحياة الاقتصادية" أو "لافي إيكونوميك: "رئيس الفريق الصحافي التابع لماريا أثنار هو إغناسيو سانبريرو [كذا]، صحافي من "الباييس" لا يفوت فرصة للإساءة إلى المغرب ومؤسساته" ، وهذا يعني أن المرء يمكنه في إسبانيا أن يشتغل لحساب الحكومة اليمينية ويمارس الصحافة في وسائل الإعلام القريبة من الاشتراكيين.
أما "أوجوردوي لوماروك" فقد ذهبت أبعد من ذلك في اتهاماتها. ثلاثة أيام على التوالي انهال عليّ مديرها واثنان من مساعديه هما عمر الذهبي وعبد الله شانكو، بأوصاف المتآمر والجاسوس. كان رد فعلي الأولى أن طالبت منهم أن ينشروا رسالة رد من عندي فرفضوا، متجاهلين أن حق الرد مكفول في التشريع المغربي. بعد تفكير طويل ومشاورة مع إدارة صحيفتي، تقدمت بشكوى للقضاء عن التشهير ضد الثلاثة. ومن أجل ذلك توجهت إلى الأستاذ عبد الرحيم برادة، المحامي الشهير الذي دافع في سنوات السبعينيات من القرن الماضي عن أبراهام السرفاتي، وهو من أشهر المعارضين السياسيين للملك الراحل الحسن الثاني. وكانت هذه مبادرة غير مألوفة من جانب صحافي أجنبي ولاقت صدى واسعاً في الصحافة المغربية، بما في ذلك التلفزيون.
لقد ربحت الجولة الأولى عندما حكمت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء أنفا  في شهر مايو 2003، على الإدريسي وزميليه أن يدفعوا لي تعويضا قدره 10.000 درهم (950 يورو)، وبدفع غرامة بنفس المبلغ للدولة المغربية، ونشر حكم الإدانة في اثنين من وسائل الإعلام. تقدم الثلاثة بطلب استئناف الحكم وربحوا في هذه الجولة في أبريل 2004، وهو ما قد حذرني منه العديد من الأصدقاء المغاربة.
لقد انهزمتُ أخيرا في هذه المعركة القضائية على الرغم من أن مدير "أوجوردوي لوماروك" أدان نفسه بنفسه عندما خاطب رئيس المحكمة مصطفى فارس قائلا: "جاسوس؟ هذه الكلمة ليست إهانة أو قذفا، إن السيد صامبريرو صحافي وهو في خدمة بلاده". معنى هذا أنه وفقا للإدريسي، مهنة الصحافة تتوافق مع ممارسة الجاسوسية". هذه الكلمات صدمة لأي صحافي يحترم نفسه. أنا أعتبر نفسي في خدمة القراء وخدمة صحيفتي، ولكن لست في خدمة حكومات بلادي، أيا كانت توجهاتها، وأنا كثيرا ما انتقد السياسة الخارجية الإسبانية بما في ذلك إزاء المغرب.
إن الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف يستحق التأمل. نص الحكم يقول "إن توظيف الأجهزة الاستخباراتية الإسبانية للصحافيين الذين يغطون أخبار المغرب لا يعني بالضرورة أن هؤلاء الصحافيين عملاء لتلك الأجهزة لأنها يمكنها استغلال خدماتهم دون موافقة ولا وعي منهم ومن ثم فإن أولئك الذين يدينون هذا التواطؤ بين المخابرات والصحافة، مثلما فعلت أوجوردوي لوماروك، لا يسعون للإساءة بالضرورة للصحافيين الإسبان"،
لقد كان باستطاعة المحكمة أن تضيف بسهولة أن مراسلي وسائل الإعلام الإسبانية حمقى وأغبياء ويمكن التلاعب بهم بسهولة من طرف المخابرات.
ثم أضاف الحكم: "إن المقالات التي يكتبها السيد صامبريرو تسيئ للمغرب ولسمعته وتسبب ضررا للروح المعنوية لمؤسساته. ومن هنا فالرد عليها كما فعلت "أوجوردوي لوماروك"، لا يمكن اعتباره تشهيرا أو قذفا" وهذا لا سيما وأن "الدستور المغربي يضمن حرية الرأي والتعبير". المدهش هو أن السيد فارس رئيس الجلسة وزملاؤه القضاة لم يكتفوا بتبرئة السيد الإدريسي وفريقه بل اتهموني بمهاجمة المؤسسات المغربية، وهي جنحة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي. وعلى الرغم من ذلك فإن وكيل الملك الذي كان حاضرا في قاعة المحكمة لم يقرر متابعتي.
خلال الأشهر التي تلت هذه المحاكمة لم تتردد صحيفة "أوجوردوي لوماروك" أن تكتب   من حين لآخر  "إن عمل السيد صامبريرو لا يقتصر على الصحافة".
ماذا كان تعليق أبوبكر الجامعي مدير جريدة "لوجورنال"؟ لقد كتب في إحدى الافتتاحيات: "لو أن المحكمة أنصفت السيد صامبريرو لكانت الرسالة هي أن العدالة تعاقب سخافات كبار المسؤولين في الدولة"، في إشارة إلى مأدبة العشاء التي استضافها الطيب الفاسي الفهري.
في السنوات التي تلت شكواي من أجل التشهير، عين الملك السيد الإدريسي في عام 2011 مديرا لوكالة الأنباء المغربية الرسمية. أما عمر الذهبي، فقد أصبح رئيسا للتحرير في مجموعة "لوماتان"، ثم أصبح في نهاية عام 2016 رئيسا لتحرير القناة التلفزيونية ميدي1 تيفي، أما الوزيران المنتدبان اللذان أطلعاه في عام 2002 على حكاية المؤامرة فقد أصبح كل واحد منهما مستشارا للملك محمد السادس.
أما أنا، فقد أستطعت إجراء حوار صحفي مع الملك محمد السادس سنة 2005 لصالح جريدتي "البايس"٠
وأخيرا، دخل "الجاسوس" القصر!
- نص مداخلة إغناسيو صامبريرو في الندوة الدولية حول "الصحافة بين الإخبار والتشهير" التي نظمتها "الجمعية المغربية لحقوق الانسان" و"العصبة المغربية لحقوق الانسان" في الرباط يوم 25 يناير 2017.
- ترجمة: أحمد ابن الصديق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق