رغم غياب التشجيع و
الدعم و قلة الامكانيات استطاعت الأغنية الأمازيغية الريفية خلال العقود
الأخيرة أن تتطور بشكل متسارع و ملحوظ ،
سواء في ايقاعاتها و متونها ، أوباعتمادها على المقاييس و المعايير الحديثة ،
ويرجع ذلك الى تراكم رصيد مهم و متنوع من التجارب و الابداعات الموسيقية منذ
السبعينات من القرن الماضي ، حيث شهد بروز تجارب موسيقية متميزة بفضل عدة عوامل ساعدت على المضي قدما في البحث عن الافضل و الانفتاح و مسايرة موجات موسيقية عالمية
انطلاقا من تجارب الشعوب الاخرى ، كما
ساعد ادخال أساليب ووسائل جديدة في تطوير الموسيقى الريفية الامازيغية و انتشارها
.
لكنه على الرغم من هذا التطور و التميز
للموسيقى الأمازيغية الريفية ، فانها واجهت و تواجه عدة صعوبات و عراقيل تحاصر
الفنان الريفي من كل جهة مثل تراجع الموسيقى الملتزمة و انتشار موسيقى الرصيف التي
تهدف الى تحقيق الربح المادي على حساب الذوق و المعايير التي يتميز بها الشعر
الأمازيغي و طريقة القائه ، حيث يتم
استقدام ايقاعات جاهزة و تفريغ كلمات أمازيغية فيها الأمر الذي يعطينا
منتوجا مشوها في الشكل و المضمون ، ويساهم في تدهور الذوق و الموسيقى عموما .
أما المشكل الأساسي الذي سأركز عليه في هذا
الموضوع ، هو علاقة التنافر و البعد بين الفنان الأمازيغي الريفي و المؤسسات
المخزنية و القطاعات الموازية لها مثل المعاهد و النقابات و الجمعيات الموسيقية ،
وغالبا ما تأثرت هذه العلاقة بالظروف السياسية و الاجتماعية التي طبعت السنوات
الماضية خصوصا ما كان يسمى بسنوات الرصاص ، حيث ساد القمع و التضييق على الابداع ،
الى جانب التهميش و العنصرية التي كانت تمارس على اللغة والثقافة الأمازيغية من طرف
شرذمة من القوميين و المتأثرين بالنزعة الفاشية البعثية القادمة من الشرق ، و
الذين سيطروا على المجال الثقافي و الفني و الفكري المغربي ،كما أن واقع الفساد و
الرشوة و تمييع الساحة الثقافية ساعد على
هذا التنافر و البعد، و أنتج نخبة من المثقفين و الفنانين الريفيين اعتمدو
على الذات للنهوض بالميدان الابداعي اعتمادا على الموارد و الامكانيات الهائلة
التي تتمتع بها الثقافة الأمازيغية و تراثها الحضاري العريق الذي تم تهميشه من طرف
العروبيين و الثقافات الدخيلة .
ان هذا التنافر بين الفنان الموسيقي الريفي و
العمل المؤسساتي النقابي و المهني في علاقته بالنفوذ المخزني و أذنابه ، أنتج
شرذمة من السماسرة و المرتزقة الذين و جدوا الساحة فارغة و الطريق معبد حيث عملوا
على تمييع المجال و قتل المواهب الراقية و تشجيع ذوي النفوس الضعيفة الراغبين في
الكسب المادي على حساب الابداع و الكرامة ، فهؤلاء السماسرة الذين لاتربطهم أية
علاقة بالابداع الموسيقي سوى عملهم كموظفين أو مستخدمين في مؤسسات عمومية تابعة
لكل من وزارات الثقافة ، والاتصال ، و
الشبيبة و الرياضة وباقي القطاعات التي تتحكم في المجال الموسيقي و الفني ، و
استطاعوا أن يربطوا شبكة من العلاقات الزبونية من داخل لوبي الفساد الذي شجع ظاهرة
الفوضى و التشرذم في الساحة ، و استطاعوا من انشاء جمعيات و نوادي و نقابات احتكرت
مواقع تمثيل الموسقيين في الريف ، و جعلت منهم وسيلة لكسب الاموال في المهرجانات
الموسيقية و المناسبات الأخرى .
و صار الفنان الموسيقي في الريف رهينة في يد
هؤلاء السماسرة الذين يعملون على استغلاله و احتقاره و تهميشه ، و استطاعوا أن
يفرضوا أنفسهم وكلاءا صوريين و مديروا أعمال لبعض الشباب يستغلون ضعفهم وعدم
تكتلهم في اطارات قوية تدافع عن مصالحهم و حقوقهم أمام هذا اللوبي الزاحف والموغل
في الميدان الاعلامي و الاداري و الانتاج الفني ، و أصبحوا أسيادا في الميدان
يملكون مفاتيح السر في كل مكان يعرفهم القاصي و الداني في مدينة الحسيمة ،
تستقبلهم قنوات الصرف الصحي في برامجها الفنية ليتكلموا عن واقع لا يمثلونه و لا
يعنيهم ، بل وصل الامر بأحدهم أن صار يملك
القدرة على توفير تأشيرات السفر لكل من يريد المشاركة في نشاط موسيقي خارج المغرب
، و التورط في الهجرة السرية باسم الموسيقى و الفن ، على غرار عمليات تصدير
العاهرات نحو امارات الخليج و هن يحملن جوازات سفر تحمل صفة فنانة ، و هي ظاهر معروفة في المغرب تقع على
مرئى و مسمع الجميع تتورط فيها .
لكن الغريب في الامر أن هؤلاء السماسرة
النشيطين في الحسيمة و الذين يعملون في قطاعات تابعة لوزارة الثقافة و الاتصال و
الشبيبة والرياضة ، لا تربطهم أية علاقة باللغة و الثقافة الامازيغية لأن معضمهم
لا يتكلمون الا الدارجة المغربية و لا تربطهم غيرة نفسية بالابداع الأمازيغي سوى
الكسب غير المشروع و الاسترزاق المادي على
حساب الفن والثقافة الأمازيغية التي يضحي أبناءها بالغالي و النفيس من أجل فك
العزلة عنها و تطويرها لتنجوا من الانقراض و الاندحار، ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه
، متى سنتحرر من الوصاية و الاستغلال المفروض علينا من طرف لوبي الفساد والاستبداد
....؟؟؟؟؟
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق