عبر
العصور استعمل المخزن نخبة المجتمع لخدمة مشروعه السياسي ، باعتباره الدولة
و الوطن الذي لا يقبل النقد ، و كل منظور سياسي مستقل ومعارض لمنظور
المخزن يكون مصيره الحصار و القمع و التشويه الاعلامي و السياسي، و هذا هو حال
الوضع الحزبي الذي يتميز بالتدجين و الارتزاق مقابل تلقي الدعم و التمويل من المال
العام مقابل التنازل عن دورهم في تأطير الشعب و تمثيله سياسيا
باعتماد المنهجية الديموقراطية .
ثم
بروز ظاهرة الريع السياسي عبر الاستفادة من الاجرة و معاش التقاعد بالنسبة
للبرلمانيين و الوزراء عن الفترة التي يقضونها في هذه المؤسسات العمومية التي كان
من المفروض عليهم التطوع لخدمة شؤون الشعب و الدفاع عن مصالحه و حقوقه .
ان
الممارسة السياسية في التصور الحداثي تخضع للتعدد و التداول الديموقراطي بين
مختلف الفرقاء على اختلاف مرجعيياتهم الايديولوجية و برامجهم السياسية و
الاجتماعية بناءا على مبدأ
الفصل بين السلط و المساواة في الحقوق و الواجبات.
لقد
وظف النظام المخزني فئة التقنوقراط من وزراء و مستشارين في تسيير شؤونه في مجالات
الاقتصاد و السياسة و الثقافة و الدين باعتبارهم خبراء متخصصون يملكون التجربة
العملية و النظرية ، لاعادة ضبط النسق السياسي ، ومحاصرة النخبة السياسية و
الحزبية المضادة الحاملة لتوجهات ايديولوجية و سياسية بديلة تنافسه في الساحة
كواقع فرض نفسه في علاقته بتطور المجتمع و حاجته لخلق آليات جديدة في مواجهة الحكم
الفردي المطلق القائم على الاستبداد في احتكار السلطة و نهب الثروة و
سوء تدبير المؤسسات .
كما أن
نظرة قصيرة لواقع الاقتصاد و الأعمال ، يتأكد لنا أن الدولة ما تزال تلعب دور
العراب كما كانت منذ الاستقلال ، حيث أن نجاح الأعمال و زيادة الثروة مرتبط
بالضرورة بالولاءات و نسج التحالفات مع أصحاب النفوذ و الانضمام الى المستفيدين من
اقتصاد الريع و الامتيازات و الاحتكار ، ليس عبر الاستثمار و المبادرة و القدرة
على المنافسة الشريفة .
أما
النخب السياسية و الحزبية فهي تعد من بين الأوراش السياسية المهمة للمخزن الجديد ،
حيث صارت انبثاقا لرهانات المخزن التي يبني عليها ديموقراطيته الشكلية الموجهة و
المزيفة ، سواء تعلق الأمر بوجوه جديدة يتم تلميعها و النفخ فيها و تضخيم حجمها
لتخدم المشهد من هيئات و أحزاب و جمعيات تصنع بين عشية و ضحاها ، و تدعم بتحالفات
الأعيان و الدكاكين السياسية التي تغير لون جلدها بتغير التوازنات و مراكز القوى ،
في المقابل يتم محاربة النخب المعارضة و تهميشها و قمعها .
و تتكون
معضم هذه النخب الحزبية داخل هياكل الحزب بعد ذلك يتم تسويقها عبر الترشح في
الانتخابات الى مجالس البرلمان و الجماعات و الحكومة و المشاركة في تنشيط عمل هذه
المؤسسات بشرط عدم الخروج عن الخطوط الحمراء المحددة سالفا مع لعب أدوار المعارضة
و استعراض مسرحية مناقشة مشاريع الحكومة ومرقابتها .
-بقلم
: محمد الملوكي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق